Site icon IMLebanon

«التشرينيّون» منقسمون: نبلع سامي الجميّل… لا نهضمه

 

 

مع اقتراب الانتخابات النيابية المفترض إجراؤها في أيار من العام المقبل، بدأ نبض نقاش المجموعات المدنية حول التحالف مع حزب الكتائب يرتفع وسط تخوين رئيس الحزب سامي الجميل للمجموعات التي تعارض مدّ اليد إليه. وفي الواقع، بدأ مسار تطبيع بعض المجموعات مع الكتائب كجزء من انتفاضة 17 تشرين منذ ما يفوق العام، فيما تضع أخرى فيتو عليه انطلاقاً من تاريخ العائلة والتوريث السياسي وصولاً إلى موقف الكتائبيين الطائفي والذي «يتعارض وأسس الانتفاضة»

 

«كل واحد مش مع الوحدة هو مشبوه»، القول لرئيس حزب الكتائب سامي الجميل المتحالف مع بعض المجموعات المدنية وأحد قوى الأمر الواقع في تحركات الشارع غداة انتفاضة 17 تشرين. منطق الجميّل هنا لا يختلف عن منطق بعض من يصفهم المنتفضون بالتخوينيين ودعاة إلغاء الرأي الآخر، لكن للمصادفة، الكلام التخويني صادر عن طرف يشارك في قراراتهم و«حربهم ضد السلطة». رغم ذلك، تمكن البعض من هضم نظرية الشيخ الكتائبي كرمى لـ«المصلحة العليا والمشروع الأكبر». إلا أن ناشطين مستقلين وفي بعض المجموعات، شنّوا ويشنّون باستمرار هجوماً على الجميل من منطلق أنه «واحد من المنظومة» ويقود حزباً هو من الأحزاب المؤسسة للنظام السياسي اللبناني؛ عدا عن مشاركته بنفسه أو عبر جده أو والده أو شقيقه في التحالفات السياسية مع قوى السلطة والحكومات المتعاقبة والإدارات العامة والبلديات وكل المناصب التي تحتاج إلى محاصصة ووفاق سياسي للوصول إليها. والواقع أن هذا الجدل ليس وليد هذه الجملة، بل بدأ قبيل انتخابات 2018 النيابية حين رفضت غالبية تحالفات المعارضة الانضواء في لوائح مع الكتائب، وتظهّر بشكل أوضح مع بدء انتفاضة 17 تشرين ومحاولة الكتائب الانضمام إلى بوسطتها… أو بالأحرى قيادة البوسطة.

 

في معرض تقييمها لحزب الكتائب، تنقسم المجموعات بشكل عمودي حول من يقفز فوق الاختلافات وتاريخ الحزب، على اعتبار أن ثمة ما يراه البعض «نقطة مضيئة في هذا التاريخ تتصل باستقالة وزرائه من الحكومة في عام 2016، وعدم مشاركته مذذاك في أي حكومة أخرى، ثم استقالة نوابه من البرلمان بعد انفجار المرفأ في العام الماضي». «مسيرة تستحق إعادة النظر في الحزب»، كما تقول بعض المجموعات وأبرزها تلك التي تشكل معه جبهة المعارضة اللبنانية، أي تَقَدُّم وخط أحمر وعامية 17 تشرين وحركة الاستقلال (رئيسها النائب السابق ميشال معوض)، وريبيلز ولقاء تشرين ونبض الجنوب وثوار عكار واتحاد ثوار الشمال وغيرهم. لهؤلاء وجهة نظر تقول بأن «معركة الدولة لا تقف عند نقاوة أي مكون سياسي، فتخبيص الحزب تاريخياً أو أي هفوة حالية تحدّ من قدرته هو على الاستقطاب لا من قدرتنا». ويفترض، بحسب المجموعات نفسها، الفصل بين القوى التغييرية والقوى الإصلاحية التي تتشكل منها الانتفاضة. فتلك «التغييرية» أي المجموعات المدنية «لم تشارك يوماً في النظام القديم ولا همّ لها بالمحافظة عليه بل تريد إسقاطه تماماً. أما الإصلاحية التي يعتبر الكتائب من ضمنها، فتريد إصلاح ما أمكن ويستحيل بأي حال تحويلها إلى تغييرية». لكن ثمة مهمة يمكن الاتفاق عليها مع الكتائب أو أي حزب إصلاحي، على ما يقول بعض الأعضاء في التحالف: «شيء ما يشبه التعامل على أساس الفائدة المتبادلة». فالواقع يشير إلى أن للكتائب ماكينة انتخابية وازنة في كل من المتن الشمالي وكسروان والشوف وعاليه وبيروت، تساعد في بدء المجموعات في الانتخابات المقبلة من حاصل انتخابي أو آلاف الأصوات، بدلاً من البدء من الصفر: «أن يكون ثمة حزب حقيقي إلى جانب المجموعات غير الموحدة من ناحية علاقاته الدولية أو ظهوره الإعلامي أو الراديو الخاص به وجيشه الإلكتروني يعطي المعارضة وزناً لا تملكه». ذلك لا يلغي الانتقادات التي تطال الحزب من داخل هذه الجبهة: «طلبنا توضيحاً حول ما أورده سامي في مقابلة تلفزيونية خوّن فيها من لا يتحالف معه، وتوضيحاً آخر حول كلام نائبه سليم الصايغ عن الواقعية السياسية وقبوله المشاركة بحكومة تضم حزب الله رغم مهاجمة سامي الدائمة للحزب». إنما في المحصلة، يتبع هؤلاء استراتيجية للمرحلة المقبلة قوامها أن «اللائحة التي تلحق خسارة بالنظام سنكون معها وتتمثل بأوسع تحالف معارض ممكن في وجه تحالف السلطة. تماماً كما أننا لا نتفق مع الحزب الشيوعي ولكن نريده معنا ولا نتفق مع أسامة سعد ونريده معنا. وإلا كيف سنفوز بنحو 40 أو 50 نائباً بقوتنا الذاتية؟ الدرس الأول هو دراسة الواقع على الأرض والاعتراف بقدرتنا المحدودة كقوى فردية».

 

تقول بعض المجموعات إن ماكينة الكتائب الانتخابية ووسائل إعلامه وعلاقاته السياسية والدولية تعطي الانتفاضة وزناً لا تملكه

 

 

على المقلب الآخر، تقف قوى ومجموعات وناشطون ضد إقامة أي تحالف أو تعاون أو اجتماع مع حزب الكتائب. فتبييض صفحة الحزب كانت تتطلب بالدرجة الأولى مراجعة لأداء الكتائب التاريخي والاعتراف بالأخطاء للبدء من جديد، وهو ما لم يحصل. بل خلافاً لذلك، لا يفوّت سامي مناسبة إلا ويستغلها للتغني بتاريخ الحزب آخرها وصفه عهد والده، أمين الجميل بأنه أفضل عهد مرّ على لبنان. فيما «الكل على علم أن عهد والده كان الأسوأ من ناحية الفساد واتفاق 17 أيار وانهيار الليرة والاقتصاد»، إضافة إلى أن «سامي ورث الرئاسة وكل امتيازاتها عن والده رغم عدم أحقيته بذلك وفقاً لقوانين حزب «الله والوطن والعائلة». وكان سبق لسامي منذ نحو شهرين أن أجاب على سؤال عن تمويل حزب الكتائب بالقول إن الحزب «يملك ثروة عقارية كبيرة»، نافياً أن يكون قد تلقى تمويلاً خارجياً رغم اعتراف الوزيرة القواتية السابقة مي شدياق بتلقي كل قوى 14 آذار تمويلاً خارجياً، ورغم صعود الجميل على نفس الطائرة مع سمير جعجع (عام 2017، قبل أقل من شهرين من اختطاف سعد الحريري في الرياض) قبل سنوات إلى السعودية لتلقي الأوامر. «ماذا يفرق إذاً عن أي حزب آخر مشارك في السلطة؟»، يسأل هؤلاء. مسألة حصر الحزب بالعائلة وتأثير الخارج في قراراته وخياراته والتباهي بما ورثه من ممتلكات العائلة يصعب هضمه بالنسبة لمجموعات أخرى، كـ«نداء 13 نيسان» (المرصد الشعبي لمكافحة الفساد، بيروت مدينتي، تحالف وطني، منتشرين، الكتلة الوطنية، ستريت… ومجموعات مناطقية أخرى)، لِحقّي وآخرين، رغم أن الكتلة الوطنية والنائبة السابقة بولا يعقوبيان أكثر براغماتية من الباقين في هذا الموضوع. وسبق للأمين العام للكتلة الوطنية بيار عيسى أن قال خلال مقابلة تلفزيونية: «إذا أردنا إلغاء كل إنسان له علاقة بالسلطة وبالحرب وبالطائفية وبالفساد، بلغي 99 في المئة من الشعب اللبناني». فتقييم تلك المجموعات «لإسقاط النظام يتمثل بإسقاط كل رموزه وكل من لهم علاقة بالسلطة مباشرة أو غير مباشرة. المشروع هنا هو التغيير الجذري ومن ناحية انقلابية تطيح بالجميع ومن بينهم الكتائب». لكن هل تبيح الانتخابات المحظورات؟ يجيب أحد قادة المجموعات: «لو كنا ننظر إلى الأمر من هذه الناحية كنا دخلنا في تحالف جبهة المعارضة».

ينطلق معارضو مدّ اليد إلى الكتائب مما يعانيه الشباب الناشط على الأرض أكان في الاستحقاقات الجامعية أو النقابية. فبالنسبة لهم لا يكفي أن يحاول سامي الجميل السير بين الألغام لمحاولة التقرب من خطابهم، هناك مجموعة محطات بيّنت بما لا لبس فيه استحالة التحالف مع الحزب، آخرها انتخابات جامعة اليسوعية والخطاب الطائفي الذي اعتمده كتائبيوها: “أجواء الشباب الذين يحتكون يومياً مع مناصري الكتائب وحزبييهم سلبية للغاية ولا يمكن أن يجمعهم بالحزب أي تفصيل مهما كان صغيراً». كما في الجامعات، كذلك في السياسة، فإن «أداء سامي وإجاباته حول سعد الحريري أو كل ما تمثله قوى 14 آذار غير مقبول ولا يمثل جزءاً كبيراً من المجموعات الرافضة للوحدة التي يطلبها الجميل».

رغم هذا الإصرار على رفض الكتائب والتأكيد على صعوبة مدّ اليد والتعاون في أي استحقاق كان، ثمة أمر واقع يقول إن الكتائب بات جزءاً لا يتجزأ من المجموعات المنتسبة إلى انتفاضة 17 تشرين. وأبرز دليل على ذلك ما جرى في انتخابات نقابة المهندسين في بيروت، حيث «هضم التشرينيون» تحالف الكتائب – ضمن «جبهة المعارضة» – مع مجموعة النقابة تنتفض. والأصوات المعلنة المعارضة له خافتة للغاية، وتخرج في الأروقة والغرف المقفلة لا علناً، فضلاً عن أن هناك تفاوتاً في الآراء حوله بين أعضاء المجموعة الواحدة. وخطة سامي الجميل اليوم تقوم على تطبيع حضور الكتائب بين مجموعات المعارضة كقوة رئيسية «داخل قوى الانتفاضة». لكن، خلافاً لما يبتغيه الجميّل، من غير المضمون أن تكون لـ«المعارضة» لوائح موحدة في الانتخابات المقبلة.