إنتهت إنتخاباتُ حزب الكتائب اللبنانية بتتويج النائب سامي الجميّل رئيساً لأربع سنوات بعدما نال 339 صوتاً، في وقت شهد إنتخاب اعضاء المكتب السياسيّ منافسة شرسة بين النواب والاقاليم الكتائبيّة دخل فيها العامل المناطقي بقوّة، فحاول كلّ نائب أو شخصية كتائبية حجز مركز نفوذ داخل الحزب. وبعد صدور النتيجة يطرح سؤال جدّي عن مستقبل الكتائب في هذه المرحلة، وقدرة سامي الرئيس السابع للحزب على مواجهة التحدّيات وإعادة الملعب «واسِعْ واسِعْ لطلّة الكتائب».
على رغم أنّ المعركة على رئاسة الحزب كانت معروفة النتائج سلفاً، وبعد فوز جوزف أبو خليل بمنصب النائب الأول للرئيس، بلغ الصراع على مركز نائب الرئيس الثاني بين سليم الصايغ وساسين ساسين، وعلى عضوية المكتب السياسي (16 مقعداً و40 مرشحاً)، الذروة في بيت الكتائب المركزي في الصيفي الذي تحصّن أمنياً منذ الصباح الباكر، بعدما كان خُرِق سياسياً في فترة الاحتلال السوري وشذ عن خطّه التاريخي.
فقطع الجيش والقوى الأمنية الطريق من مستديرة شارل حلو وصولاً الى الصيفي، وتحوّلت وجهةُ السير الى الجميزة التي شكلت مع الأشرفية العمقَ التاريخي للكتائب وأحد أهمّ خزاناته البشرية… بالطبع فـ«الأشرفية هي البداية».
رسالة وأغنية
التحصين الثاني للحزب هو سياسي بامتياز في وجه الحلفاء المسيحيين والخصوم معاً، وهذا التحصين تُرجِم موسيقياً حيث صدحت أغنية «اهتزت منازلنا صيحات العدوان»، في أرجاء الصيفي ووصلت الى قلب الاشرفية أهم معاقل «القوات اللبنانية» حالياً.
هذه الأغنية وإن أُنشِدت في زمن الوحدة الكتائبة- القواتية وحين كانت «القوات» الذراع العسكري للجبهة اللبنانية والكتائب، إلّا أنها باتت نشيداً قواتياً، إنتشر ودخل وجدان كلّ قواتي أكثر من نشيد «نحنا القوات اللي فينا مقاومة وايمان». وفي ذلك رسالة بأنّ القيادة الكتائبية الجديدة وإن كانت توجّه رسائل حوار، لكنها لن تتصرّف مثل الحمام، فالتنافس مشروع، ومَن يشدّ الناس، خصوصاً مَن ينتمي تاريخياً الى خطّ اليمين المسيحي، مبروك عليه.
في الأمس، تابع حزب الكتائب سياسة التمايز التي اتّبعها منذ مدة، فتح صناديقه أمام المندوبين لإختيار قيادة جديدة على رغم كلّ الإنتقادات التي وُجهت الى الانتخابات، لكنها أُنجزت في النهاية وبات للحزب رئيس ونواب وأعضاء مكتب جدد.
على غرار كلّ إنتخابات يشهدها لبنان، لا يطمئنّ أيّ مرشح الى فوزه إلّا بعد صدور النتيجة، وهذا ما حصل في بيت الكتائب المركزي الذي وصله المندوبون منذ الصباح آتين من الأقاليم الى العاصمة. أرزة الكتائب التي ترتفع على المدخل بقيت خضراء فما ابيضت وما شابت على رغم المتاعب. المندوبون صعدوا الدرجَ الصغير الذي عاصر الإستحقاقات الوطنية، ودخلوا الغرفة العامة التي تُطلّ شرفتها على بحر بيروت.
الأبنية الشامخة التي شُيّدت أمام البيت المركزي تحجب رؤية البحر وما وراءه. وهذه الرؤية حجبت أساساً عن المسيحيين عموماً والكتائب خصوصاً لفترات طويلة بعدما إنسدّ الافق نتيجة الاحتلال السوري، وغُيّب المسيحيون عن المشهد الوطني، فكيف الحال بالنسبة الى ما وراء البحار؟
تزدحم الصالة التي ترتفع فيها صورة الرئيس المؤسس الشيخ بيار الجميّل، بالمندوبين الذين توافدوا متذكّرين تاريخاً كبيراً من النضال. هنا يتَساوى الجميع في الصوت الواحد وتلعب السياسة لعبتها، يقف النائب نديم الجميّل يتأمل المشهد الإنتخابي وهو كان من أوائل الناخبين، وعندما سألناه من انتخبتَ، أجاب: «وَلَو… تحصيل حاصل أكيد سامي»، ونائب الرئيس؟ يصفن قليلاً ويُضيف: «الصناديق ستقول ذلك».
سامي ونديم
يبدو أنّ المصالحة الأخيرة التي تمَّت بين نديم وسامي لم توقف المنافسة داخلَ الحزب، وإن كان نديم سلّم بالرئاسة لابن عمه. وفي هذا الاطار، يشير نديم الى أنّ «لدى إقليم الأشرفية ثلاثة مرشحين لعضوية المكتب السياسي، وقد اتفق مندوبو الأشرفية على الاقتراع لمرشحّيناً «لوكاً واحداً»، أمّا بالنسبة لبقية المقاعد فتُرِكت لكلّ مندوب حرّية الاختيار».
المنافس الثاني على الرئاسة، بيار عطالله اقترع، مشيداً بصحّة المنافسة. وما هي إلّا دقائق حتى دخل سامي قاعة الانتخاب، أخذ الورقة، وقف وراء العازل المكوّن من ألواح خشبية وُضع عليها علمُ الكتائب، أغلق وراءه باباً متحركاً من «النايلون»، وانتخب رافضاً اعتبار العملية الإنتخابية بأنها «صُوَرية، ومَن ينتقدنا فليقل لنا ماذا يحصل في حزبه»، مشدداً على أنّ «مَن تقدّموا بالطعون هم من الخوارج ومن رواسب فترة الوصاية السورية».
ثمّ أكمل سامي مشواره الانتخابي في القاعة التي وُزّعت فيها الصناديق وعُلِّقت على جدرانها صور الشهيد بيار الجميل، وعندما سألناه، هل تتخوّف أن تترك هذه العملية انشقاقاً في الكتائب، أجاب: «أكيد لأ… لماذا الانشقاق؟».
خرج سامي من غرفة الانتخاب واستكمل المرشحون الى المكتب السياسي نشاطهم، وكان لافتاً حضور الجنس اللطيف إقتراعاً وترشّحاً، حيث فرضت «كوتا» لامرأتين، وإذا لم تحصلا على الغالبية المطلوبة، تأخذان مكانَ آخرَ رجلين يفوزان.
زحلة توحّد قرارها
ومع توافد المندوبين، حضر النائب ايلي ماروني مع اقليم زحلة، وقد كشف لـ»الجمهورية»، أنهم «اجتمعوا قبل المجيء الى الصيفي، واتفقوا على انتخاب سامي، أما نائب الرئيس الثاني فقد قسّموا الاصوات بين الصايغ وساسين». أما هو فيُبدي اطمئنانه لأنه ليس مرشَحاً، «وحكماً سأكون عضواً في المكتب السياسي لأنني نائبٌ في البرلمان». هذا الاطمئنان دفع بماروني الى العودة لزحلة من أجل تقديم واجب العزاء على أن يعود عند إعلان النتيجة.
العامل الرياضي
لطالما شكّل حزب الكتائب عموداً فقرياً في الحياة الرياضية، إذ خرج من صفوفه ابرز العدّائين والمصارعين، وقد ميّز الانتخاب حضور لاعب كرة السلة المشهور داني برهوم الذي ذاع صيته في المرحلة الذهبية لكرة السلة وقد شارك نادي «الحكمة» في حصد ألقابه في بطولتَي آسيا والعرب على رغم أنه كان يلعب مع نادي «انيبال» زحلة في الدوري اللبناني. وبرهوم أصبح اليوم رئيس مصلحة الرياضة في كتائب – زحلة، ويَعترف بأنّه اختفى عن الساحة الرياضية ويعمل في السياسة، وهذا خيار مقتنع به.
قرابة الساعة الثانية عشرة وصل الرئيس أمين الجميّل لينتخب، حيث اعتبر أنّ «الكتائب ومنذ نشأتها، توجّه رسالة خير وديموقراطية وحرّية لكلّ لبنان وجميع اللبنانيين، ونأمل أن تكون هذه الرسالة وهذه التجربة الديموقراطية الفذة رسالة للبنانيين لنتّعظ مما يحصل، وننتخب رئيساً للجمهورية في أسرع وقت ممكن».
لم يكن التنافسُ على إنتخاب أعضاء المكتب السياسي فقط، بل ليحجز كلّ نائب في البرلمان دائرة نفوذ يحافظ عليها داخل الحزب. إقليم البترون يُعتبر من اكبر الاقاليم الكتائبية ولديه 36 مندوباً، لذلك رشّح 4 أعضاء الى المكتب السياسي. وفي السياق، يبدي النائب سامر سعادة (نجل رئيس الكتائب الراحل جورج سعادة) ارتياحه، قائلاً لـ»الجمهورية»: «رشّحنا 4 وصوّتنا لهم بلوك واحد». ولماذا لم يترشح الى الرئاسة، ضحك مؤكداً «في وقت».
لم يُخفِ البعض خوفه من الذهاب الى دورة ثانية إذا لم يحصل الاعضاء على الأكثرية المطلقة، وهذا التخوّف أبداه عضو المكتب السياسي ألبير كوستنيان الذي شدّد على أنْ لا شيء واضحاً. إذ تدخل في هذه الانتخابات حسابات كثيرة مناطقية واخرى مذهبية، والدورة الثانية تتمّ بمَن حضر، والمفارقة أنّ مَن إنتَخب صباحاً لم يبقَ حتى معرفة النتائج مساءً».
عند الساعة الثالثة بعد الظهر، أُقفلت الصناديق وبدأت عملية الفرز لمعرفة هوية أعضاء المكتب السياسي أولاً بعدما كان مقرّرا البدء بفرز صناديق مرشّحي الرئاسة، لكي يبقى وقت كاف لتنظيم دورة ثانية إن إحتاج الأمر.
النتائج
ومساءً، أعلنَ الأمين العام للحزب ميشال خوري فوزَ سامي الجميّل برئاسة الحزب وحصولَه على 339 صوتاً مقابل 39 صوتاً لعطالله. في وقت فازَ الصايغ بمركز النائب الثاني لرئيس الحزب، متقدّماً على منافسِه ساسين بنتيجة 273 – 100 صوت.
وفازَ 13 عضواً من الدورة الأولى بعضويّة المكتب السياسي، وهم: الياس حنكش، إيلي داغر، سيرج داغر، فادي عردو، شربل يزبك، شاكر سلامة، بيار الجَلخ، فرج كرباج، سمير خلف، مجيد العيلي، شادي معربس، غابي سمعان، وندى ماروني. فيما خِيضَت دورة ثانية على 3 مقاعد: إمرأة ورجلان.
وتوَجَّه سامي إلى الكتائبيّين بالقول: «في هذه اللحظة يَذهب فِكري نحو جميع الشهَداء وجميع مَن استشهدوا لنكونَ هنا اليوم، وأشعرُ بحِملٍ ثقيل جدّاً
وبمسؤولية كبرى، وسيَكون عملي اليومي إلى جانب جميع الكتائبيّين وجميع اللبنانيّين والأوادم، وكلّ أم وأب وكلّ شاب يناضل يوميّاً ليَبقى في لبنان».
ووعَد الجميّل اللبنانيين بأن «يكون وفيّاً للتضحيات التي يَبذلونها»، مشيراً إلى أنّه «سيَعمل 24 ساعة في اليوم و7 أيام في الأسبوع و365 يوماً في السَنة»، معتذِراً مِن زوجات الكتائبيّين، «لأنّ نومةَ البيت ستكون صعبةً والرجعة إلى البيت ستكون صعبة».
وحَيَّا الجميّل والدَه الرئيس أمين الجميّل «هذا الرجل الكبير الذي فتحَ المجالَ أمام جميع الكتائبيين لخَوض هذه المعركة الديموقراطية»، مؤكداً «أننا لن نصبح مثل الحياة السياسية لكنّنا سنجعلها مثلنا».
واعتذرَ مِن الجميع، قائلاً: «هناك شبابٌ وصبايا صاروا في السماء وسأزورهم في المدفن، إذ مِنهم نَستمدّ القوّة»، مؤكّداً أنّ «شِعار الكتائب هو العمل، وهيّا فتى الكتائب إلى العَمل». وبعد ذلك، إنتقل سامي الى مدفن عائلة الجميّل في بكفيا ووضع إكليلاً من الورود على أضرحة الشهداء.