IMLebanon

مقامات وكعوب

 

يخطئ أهل السلطة كثيراً لو اعتقدوا أن بإمكانهم إعادة عقارب الساعة الى الوراء عبر ترئيس سمير الخطيب أو غيره لحكومة تكنو- سياسية، تُحلُّ وجوهاً تافهة محلَّ وجوه كالحة وتتجاهل المتغيرات وموازين القوى التي فرضها الشارع بعد 17 تشرين.

 

فشعار “كلن يعني كلن” ليس ساذجاً ولا هو فارغ من المضمون. صحيح انه لا يجوز اتهام كل الناس والأحزاب وخصوصاً الأوادم فيها، لكنه يعني تحديداً ان لا مجال لعودة الفاسدين والفاجرين والمستفزين أو أتباعهم الى حكومة اختصاصيين يعوّل عليها اللبنانيون لإنقاذهم من جحيم الإنهيار.

 

إذا كانت السلطة تريد فعلاً إنقاذ البلاد، فعليها ألا تجرّب هذا النوع من الألاعيب الخبيثة أو البلهاء. فالثورة التي انطلقت لإلغاء “منظومة الفساد والإفساد” يمكن أن تتعب، لكنَّ فيها من عناصر الحق والقوة ما يجعلها قابلة كل لحظة للاشتعال. والوعي الذي عبّر عنه الشباب اللبناني ليس من النوع العابر بل هو تأسيسي لمواطَنة تتجاوز طائفية النظام، وهو محرك دائم للانتفاض ضد هذه الطبقة السياسية التي حكمت لبنان منذ الاستقلال وتواطأت لاقامة حكم الزبائنية ونهب الناس وبيع السيادة، مقابل التربع في كراسي الرئاسات والحكومات والبرلمانات والإدارات والأعمال.

 

يعتقد الحاكمون بأمرهم، والمتحكمون بأمر هؤلاء، بأن أعمال الترهيب ضد المتظاهرين والتيئيس من تحقيق انجازات فعلت فعلَها، وتضاف اليها سلسلة الانهيارات المالية والمصرفية وشح الدولار وغلاء الأسعار. وهي عوامل تضعف قدرة الثائرين على استعادة المبادرة وإفشال محاولات السلطة المستميتة لاعادة انتاج نفسها، عبر ما يشبه سمير الخطيب وشلّة “وزراء دولة” أو ممثلين دمى من الصف الثاني، لقوى سياسية لفظتها الشوارع وقرفت من تواطئها مع رياض سلامة والمصارف التي هرّب أصحابها ومديروها أموالهم الى الخارج ثم صادروا ودائع البسطاء.

 

تخطئون كثيراً في العنوان: الأزمة الاقتصادية هي نتاج سياسات حكومات متوالية وعهد فاشل. ولن تتمكنوا من تحميلها للثورة التي قامت لأنكم انحدرتم بالبلاد الى أسفل الدركات.

 

وستخطئون أكثر لو اعتقدتم أنكم وضعتم خطوطاً حمراً تمنع الثوار من الضغط عليكم. فمنع اقفال الطرقات خطٌ وهمي يسقط اذا اصررتم على حالة اللؤم والانكار، أما الشتائم فهي أبسط سلاح في مواجهة الزعران لأن مقام من يجوِّعون الناس ليس أرفع من كعب ابن عرسال، الذي شنق نفسه بسبب ما فرضتموه عليه وعلى أمثاله من حرمان.