منطقي أن يغادرنا سمير فرنجية عشية ذكرى الحرب الأهلية. كأنه يُذكّرنا بل كأنه يوصينا مرة أخيرة ألا ننسى أنها والموت توأم.
منذ عرفته، في نهاية الثمانينات في باريس وسمير فرنجية مصمم على هدف واحد، لا يحيد عنه: دفع اللبنانيين إلى الاعتراف بالحرب الأهلية، لدفعهم إلى الإقلاع عنها مرة واحدة وأخيرة.
كل فكرة كان يتفتق عنها عقله النابغ، كل مفهوم كانت تصقله ثقافته الواسعة، كل حوار كانت تدفع إليه إنسانيته الودودة، كل جهد كان ينخرط فيه قلبه المناضل، كان مشدوداً إلى هذا الهدف.
تعب في بعض المرات وخاب في مرات كثيرة، لكنه كان دائماً يُسامح التعب ويُغالب الخيبة ويعود مقتنعاً أن هناك لحظة ما ستعطيه حقه. وأعترف أننا كنّا، نحن المعجبين بتصميمه والمتعجبين من عناده، نتساءل متى سيصل إلى القناعة السائدة من أن تلك اللحظة لن تأتي أبداً لأن لا مكان لمثاليتها في هذا العالم.
ثم أتت اللحظة وكانت ١٤ آذار ٢٠٠٥. أعطت سمير فرنجية كامل حقه بأن مواطنيه قرروا العيش معاً في وطن نهائي حر سيد مستقل، وأن السلم انتصر على الحرب الأهلية.
وكانت في نظره لحظة منطقية أيضاً: هو الذي رافق مشوار رفيق الحريري للخروج من الحرب الأهلية وإعادة إعمار السلم الأهلي قبل إعادة بناء البنى والاقتصاد، لم يستغرب أن يكون اغتيال الرئيس الشهيد محرك انتفاضة اللبنانيين على وصاية أدارت حربهم الأهلية ثم أخضعتهم بذريعة قصورهم عن الإقلاع عنها.
بعدها لم يُعلن سمير فرنجية انتصاره علينا نحن المشككين. لم يتقاعد عن هدفه النبيل، بحجة بلوغه. جلس أميناً على ١٤ آذار الحقيقية تلك التي صنعها الناس، فلحقهم إليها الساسة.
وكان في كل مرة، في كل اجتماع سياسي، لا يأبه للسطح وما يدور عليه، بل يرصد خافتاً وثاقباً العمق وما يجري حقاً فيه، حتى إذا ما شعر أنّ خطراً جدياً يحوم حول «المصالحة» الحقيقية التي كرس حياته لها، اندفع ورفع الصوت واحتد إلى حد العجب.
ونحن نودع سمير بيك، نودع شجاعته في وجه الحرب والعنف والموت والتهميش، ونخسر جميعاً بعضاً من شجاعتنا.