Site icon IMLebanon

سمير فرنجية.. تكلّم حتى نراك

تابعت خلال الأيام الماضية ردات الفعل على ظهور اسم سليمان فرنجية للرئاسة. وكان واضحاً أنّ الجميع ترك الحبل على مغاربه للأحلام والأوهام والعداوات. وقد استحضر كثيرون الاصطفافات التي خرجوا منها وعليها في هذا الفريق أو ذاك، كما استحضروا الغرائز الثأرية البغيضة متناسين واقعهم المرير، وهو أن معظم أركان الطبقة السياسية أيديهم ملطّخة بدماء اللبنانيّين على مدى عقود طويلة من الزمان.

أكثر ما لفتني هو أنّ الكثيرين تذكّروا آخر صنّاع السياسات في لبنان المفكّر سمير فرنجية، ومعظمهم كانوا من جماعةٍ لا صوت لها في انتخاب رئيس للبلاد، وتعبّر عن حزنها وغضبها بسبب إيقاظها من غفوتها وحلمها الجميل الذي لا يشبه لبنان. ويبدو ذلك واضحاً من التفافها حول رموز معترضة على ترشيح سليمان فرنجية، دون أن يسألوا أنفسهم لماذا لم تُقدّم تلك الرموز سمير فرنجية مرشّحاً لرئاسة الجمهورية، فهو بالمعايير كلّها المعرفية والسياسية والأخلاقية والإنسانية والمسيحية والتقليدية المرشّح الأقوى لرئاسة الجمهورية.

أمام هذه البارانويا السياسية وجدْتُ أن أتوجّه الى الصديق سمير فرنجية لأقول له «تكلّم حتى نراك». وهو الذي قاوم الاصطفاف الطائفي على مدى عقود من الزمن، وقاوم  ابتلاع طائفة لأخرى، ورفض أسلَمة اليسار اللبناني، فبادر الى إطلاق تجمّع المسيحيّين الوطنيّين. ثم قاوم الاستئثار والتسطّح بالدعوة الى مؤتمر الحوار الدائم، حمايةً للنخب الإسلامية والمسيحيّة من التسطيح والابتذال. ثمّ قاوم العزل والاقصاء والاعتقال والنفي للقيادة المسيحيّة في قرنة شهوان التي ملأت الفراغ الكبير للقيادة المسيحية على مدى عقد ونيّف من الزمان، مدافعاً عن اتفاق الطائف الذي أرسى دعائمه البطريرك صفير أطال الله بعمره. وكان سمير فرنجية قد شارك في تجميع أوصال هذا الاتفاق مع الرئيس رفيق الحريري ومعهم الصديق الفضل شلق بصمت وبدون ادعاء، وذلك قبل ذهاب النواب الى الطائف.

قاوم سمير فرنجية الوصاية بالحكمة والثبات وصناعة سياسات ما فوق متوقّعة، ممّا أربك التعنّت والقهر. فكان بيان المطارنة الموارنة الأوّل أساساً لتجديد الحياة الوطنية الاسلامية المسيحية. ثمّ كان الردّ على التمديد القهريّ بصياغة أنيقة للقاء بريستول واحد وإعادة وصل ما انقطع بين مكونات الوفاق الوطني والدولة المدنية. ثمّ حدث الاغتيال الكبير، فَكَانَت أطراف «بريستول واحد» بمثابة مجلس قيادة ثورة الأرز بموجاتها المتعاقبة، وصولاً الى يوم الرابع عشر من آذار حيث اعتلى الجميع المنبر باستثناء سمير فرنجية الذي كان منشغلا بالنظر الى الأمام والى ما بعد سلطة الوصاية في لبنان.

كانت مبادرته الأخيرة لجمع شتات مستقلّي ١٤ آذار في مجلسٍ وطنيٍّ يحمي تضحياتهم ويبقيهم في ثورتهم كي لا تأكل الثورة أبناءها كما في كلّ مرة. وحاول أن يستدعي الوفاء من أحزاب ١٤ آذار، فاصطدم برفض بعض الأحزاب الإعتراف بأحقيّة المستقلّين. فسار ورفاقه في الأمانة العامة لقوى 14 آذار الى إعلان المجلس الوطني، وبادر الى طرح قضية السلام اللبناني على قاعدة أنّ هناك من اعتَبر من تجارب الماضي ولا يريد العودة اليها، وهناك من لم يعتبِر وهذا هو واقع الحال الآن، إذ تكرِّر الأحزاب الخطأ عينَه مع توقّع نتائج مغايرة، وهذا ما يسمّيه العلماء بالجنون.

أردت من هذا المقال أن أطلب من سمير فرنجية اختراق صمته وهدوئه ومرارته من الذين يدينون له بعودتهم وحريّتهم وبقائهم في لبنان في أحلك الظروف والأوضاع، ويعيد الأمور الى نصابها، ويوقف مسرحية الأقوياء والضعفاء، وأن القويّ هو من يقبل به كل اللبنانيّين وليس بعض الفئات من هذا المكوّن أو ذاك.. سمير فرنجية تكلّم حتى نراك!