«خدونا بحلمكن يا شباب»؛ «صَعَّبتها» عليّ كثيراً «يا حكيم»، حرصتُ دائماً أن أكون صادقة مع نفسي أوّلاً، ومع القارئ ثانياً، وأصدقكم القول «هامش» اليوم لم تكن كتابتهُ من غير تعقيدات ومحاذير كثيرة، ولكنّ يقيني كان دائماً في أنّ الخلاص هو في الصدق لقوله تعالى في الموقف العظيم: «هَ?ذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ» [المائدة/ 119]، لذا كما دائماً سأقول الأشياء كما هي ومن دون أدنى مواربة.
يتوجّس كثيرٌ من اللبنانيين خوفاً من صورة المشهد اللبناني، وبصدقٍ أقول «زمن الوصاية الإيرانية لعنة على لبنان أكثر بكثير ممّا شهدناه في زمن الوصاية السوريّة»، وبصدقٍ أقول: «باتت عودة الرئيس سعد الحريري ضرورة قصوى إلى بيروت»، الطائفة السُنيّة ليست بخير، أُغْرِقَت ـ عن قصد أو غير قصد ـ في ثلاجة الموقف الإقليمي، وأثقلت ظهرها الحرب السوريّة، وتحمّلت الكثير في غياب قيادتها السياسيّة، ورحم الله العميد ريمون ادّه، فقد كان الخطأ الكبير الذي ارتكبه بحقّ نفسه هو اختياره المنفى الباريسي القسري هرباً من الاغتيال، ومع الوقت خسر فعاليته ودوره في السياسة اللبنانيّة.
نعم؛ الموقف بهذا الحجم؛ «الطائفة السُنيّة» ليست بخير، هي مشرذمة بين «أجنحة مستقبليّة» على الأقل هي متنازعة فيما بينها، وضمرت شعبيّتها، بغياب الرأس، وجاءت أزمة النفايات لتكشف انقساماً سُنيّاً مخيفاً من بيروت إلى صيدا إلى إقليم الخروب إلى عكار، وبصرف النظر عن التفاصيل الداخليّة والنكايات والحساسيات والكيديّات، كان الناس يتوقعون من الرئيس سعد الحريري اجتراح الحلول للأزمات الكبرى كما الرئيس الشهيد، ولكن!!
نعم؛ «الطائفة السُنيّة» ليست بخير، ولم يعد أحدٌ يستطيع أن يحشدها تحت أي عنوان كان، اليوم وعشيّة الجلسة التشريعيّة الخميس المقبل، لسنا نحنُ تلك «الطائفة» التي قاطعت انتخابات العام 1992 التي فرضها الاحتلال السوري وواجهته «دارة آل سلام» ورأسها الرئيس الراحل صائب بك سلام، لأنّ مسيحيي لبنان رفضوا أنْ يخوضوا تلك الانتخابات بقانون فرضه النظام السوري بالإكراه، عشيّة الجلسة التشريعيّة التي دعا إليها الرئيس نبيه بري ـ الذي غيّر فجأةً تفسيره للميثاقيّة التي سبق وعرّفها بأنها «تتطلّب حضور كتلتين مسيحيتين وازنتين على الأقل» ـ لسنا نحن تلك الطائفة التي وفي أعتى ظروف حرب السنتيْن يوم كانت القذائف تنهال فوق رؤوس الجميع وكان لبنان يرزح تحت الاحتلال الفلسطيني ـ كانت القيادات السُنيّة يومها تواجه بصمت مشروع أبو عمّار لاحتلال لبنان، ومشروع الشهيد كمال جنبلاط لعلمنة لبنان ليتسنّى له أن يكون رئيس حكومة ـ كانت قيادتها الحقيقيّة معقودة لصائب سلام الذي كان يقرأ علينا ليل نهار مزمور: «لبنان بجناحيْه المسيحي والمسلم»، فجأة تغيّرَ الحرص على الحلفاء وعلى المسيحيين اللبنانيين، وهنا علينا أن نطرح السؤال: لماذا؟!
ليس من المقبول أن يكون موقف «الطائفة السُنيّة» يوم الخميس مغايراً لما عبّر عنه مفتي الجمهوريّة اللبنانيّة في كلمة له خلال مؤتمر «العائلة وتحديّات العصر في الشرق الاوسط» في 7 تشرين الثاني من العام 2014ـ كمثل هذه الأيّام ـ فقال: «إنّ المسيحيّين ملح هذه الأرض، فإذا غادروها فبماذا نملّح؟ (…) نحن المسلمين والمسيحيين شعب واحد، ولنا تاريخ واحد، وهو بكل واقعية تاريخ طويل وهو مستمرّ في المستقبل أيضا، وسوف نواجه معاً الفتنة الحالية، وسوف نتجاوزها معاً»، وأقول وبصدق شديد: كيف نتجاوزها معاً بالذهاب إلى جلسة الخميس التشريعيّة من غير الكتلتيْن المسيحيتيْن الوازنتيْن؟ أليست هذه هي الفتنة الكبرى»؟! بعد عشر سنوات من النضال يداً بيد منذ 14 آذار العام 2005 الذي لولا المسيحيين اللبنانيين لم يكن ليكون، ولا لتكون له مفاعيله في طرد الاحتلال السوري، ولم تكن دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري لتأخذ بعداً بحجم لبنان، وأكبر من لبنان أيضاً!!
إنّ الإصرار على عدم إدراج بنديْ مشروع قانون استعادة الجنسية اللبنانية لمستحقّيها هو إمعانٌ في التفريط بحقون لبنانيين هجّرتهم الحرب وبسببها فقد أبناؤهم، وهم من جميع الطوائف، حقّهم الطبيعي في الجنسيّة، وإنّ الإصرار على عدم إدراج مشروع إقرار قانون إنتخابي هو إمعان في تكريس الاحتلال الإيراني للبنان وتسليم رقبته لحزب الله ومشاريعه، وهذا الإصرار بحدّ ذاته إعادة لعقارب الساعة إلى الوراء، إلى زمن الوصاية السوريّة، وهو إمعان في قهر مسيحيي لبنان، فمسيحيّو الأطراف ليسوا كما قال الرئيس نبيه بري بالأمس أنّهم يمثّلون؛ أبداً هم لا يمثّلون إلا كما يمثّل نائب سنّي وصل عبر لائحة حزب الله الطائفة السُنيّة، وكما يمثّل نائب مسيحي على لائحة حزب الله المسيحيين، أيّ لبنان سيقوم إن وصلنا إلى لحظة يمثلنا فيها «نوّاب حزب الله»، جلسة الخميس تحت عنوان «تشريع الضرورة» هي أولى جلسات «الاحتلال الإيراني» للبنان من بوابة المجلس النيابي، وللتذكير فقط؛ لقد أقفل المجلس النيابي في وجه التشريع عاماً ونصف على يد حركة أمل وحزب الله في وجه المحكمة الدوليّة بادّعاء عدم ميثاقيّة الحكومة لخروج المكوّن الشيعي منها!!