لن يكون قداس «شهداء المقاومة اللبنانية» في مقرّ «القوات اللبنانية» في معراب هذه السنة مثل الأعوام السابقة. بين 1 أيلول 2019 و6 أيلول 2020، عام، شهد تبدّلات وتغيّرات وتحوّلات مفصلية. جائحة «كورونا» تفرض هذا العام إحياء ذكرى الشهداء من دون حضور أهاليهم. أمّا لبنان في أيلول الجاري، فليس لبنان نفسه في أيلول الماضي، فما بعد 17 تشرين الأول 2019 ليس كما قبله. وفي حين تحدّث رئيس «القوات» سمير جعجع في هذه الذكرى العام الماضي، عن بناء الدولة، وحذّر من طريقة إدارتها، سقطت الدولة الآن بنحوٍ شبه نهائي، ويواجه البلد خطر الزوال، محاولاً الصمود للنهوض مجدداً، فيما مصيره ما زال مرتبطاً بالسياسيين أنفسهم الذين أوصلوه الى هذا الانحلال، بعد فشل محاولات إسقاط غالبية الطبقة الحاكمة.
بات راسخاً أنّ مصير أبناء هذا الوطن، الشهادة أو الهجرة أو الذلّ والتهجير. هذه الأرض لا تنبض إلّا ارتواءً من دماء زارعيها. شُهداء جُدد، انضمّوا هذه السنة الى قافلة الشهداء، شهداء الإستهتار وانعدام المسؤولية والأخلاق والضمير، شهداء المجرمين والسارقين والناهبين والقتلة، الذين تسبّب البعض منهم بسقوط هؤلاء الشهداء كُرمى لمصالح وأهداف «أسمى»، وبعضهم الآخر لا يعلم ولا يدري ويحكم ببصمة الجَهل.
الى الرسالة الثابتة التي يوجّهها جعجع الى شهداء «المقاومة اللبنانية» سنوياً، سيوجّه غداً الأحد، خلال القداس الذي يُقام في معراب في ذكراهم، عند الخامسة عصراً، رسالة أيضاً الى الشهداء الذين سقطوا جرّاء جريمة انفجار مرفأ بيروت في 4 آب الماضي. وسيأخذ وقع هذه الجريمة «الصاعقة» حيزاً كبيراً من كلمته، التي ككلّ عام، ستكون شاملة لمجمل الأحداث والتطورات السياسية، وسيكون الهدف منها هذه السنة تشخيص واقع حال البلد ومرضه ومشكلته الأساسية وأزمته، وسيعرض خريطة الطريق للخروج من هذه الأزمة، ويسلّط الضوء على دور «القوات» في كلّ المراحل التاريخية، من «استشهاد «القواتيين» دفاعاً عن لبنان وصولاً الى عزيمة الاستمرار، بغية تحقيق أهداف الشهداء والدولة التي حلموا فيها، الدولة السيدة والنظيفة والقادرة على أن تحقّق آمال وتطلعات جميع اللبنانيين بلا استثناء».
والى الكلام الوجداني، سيُشخّص جعجع في كلمته الواقع المأسوي، وسيفصّل أسباب الأزمة، التي أدّت الى انهيار الدولة وحصول انفجار بيروت، ويردّها الى أمرين رئيسيين:
الأول، تجاوز الدستور والقوانين، وضرب منطق الدولة بعرض الحائط، وتغييب الدولة وممارستها ودورها وقرارها الاستراتيجي ووجودها وسلطتها. وهذا السبب الأساس للانهيار السياسي المتمادي في لبنان.
الثاني، الممارسة السياسية، حيث في ظلّ تفكك الدولة ودورها وإنهيارها والإنحلال، نشأت قوى سياسية استسهلت الفساد والتعاطي عدم المسؤول في الإدارات والمؤسسات، وهذه القوى بعيدة جداً من النخب الحقيقية ومن أن تكون مكافحة للفساد ومن الممارسة الحقيقية التي تستظلّ الدستور والمؤسسات.
انطلاقاً من ذلك، ومن التكامل والتحالف الموضوعي بين الفساد والممارسة السياسية السيئة من جهة وتغييب الدولة والسيادة من جهة ثانية، سيشدّد جعجع على ضرورة وضع حدّ لهذا الإنزلاق والإنهيار، وأن تستعيد الدولة قرارها وسيادتها ودورها، وأن تُدخل، بفعل استعادة هذا القرار، النخب السياسية الجديدة الى الدولة، لتعيد الإعتبار لممارسة الشأن العام والإدارة بطريقة مختلفة كلياً عن الممارسة التي شاهدناها منذ 30 عاماً حتى الآن.
وسيكرّر جعجع اقتناع «القوات» الراسخ، بأنّ الأمل في إحداث هذا التغيير، يبقى في انتفاضة اللبنانيين. فـ»القوات» منذ زمن، تقول إنّه يجب على الناس أن يتحمّلوا المسؤولية، وتحقيق التغيير في صناديق الإقتراع، من خلال الديموقراطية والإقتراع، وبإرادتهم بالمحاسبة والمساءلة. وبالتالي، سيؤكّد جعجع الدعوة الى إجراء انتخابات نيابية مبكّرة، إنما على أساس قانون الانتخاب الحالي، لأنّ أي تغيير في القانون سيفسح في المجال لمحادثات لن تنتهي تؤدي الى تطيير هذه الانتخابات، أو أنّ هدف تغيير القانون هو الإنقلاب على الانتفاضة والثورة، بغية إبقاء القديم على قدمه، أي الفساد والتحالف السلبي جداً بين الفساد والمفسدين والقوى اللاسيادية واللادولتية. الانتخابات النيابية، هي مدخل التغيير الوحيد، حسب جعجع، الذي يعيد انتاج كل السلطة، لكي يدخل لبنان في مرحلة سياسية جديدة. فطالما السلطة الحالية ما زالت قائمة، ستظل آمال التغيير تصطدم بحائط وجدار هذا الواقع.
وبعد الحديث عن الفساد والسيادة، يتوّجه جعجع بوضوح الى «حزب الله» ودوره، ويتحدّث عن انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية وعهده الرئاسي، و»التيار الوطني الحر» ودوره وممارسته. كذلك سيتطرّق الى دور بكركي ومسألة الحياد، فضلاً عن طرح الدولة المدنية ودعوة عون الى حوار حول هذا الطرح. وسيوضح جعجع هذا المفهوم انطلاقاً من أنّ لبنان دولة مدنية، فيما البعض يستخدم مفاهيم مغلوطة وكليشيهات كبيرة. وسيُعلن جعجع، للمرة الأولى، موقفاً واضحاً من موضوع المؤتمر التأسيسي، وسيكون موقفه هذا «عالي النبرة وجديداً» في أدبيات «القوات».
بالنسبة الى الحلفاء والعلاقة مع تيار «المستقبل» و»الحزب التقدمي الاشتراكي»، فسيؤكّد جعجع أنّ لا تحالف جبهوياً في هذه المرحلة مع هؤلاء الأفرقاء الذين ليسوا أساساً في هذا الوارد.
أمّا المبادرة الفرنسية الأخيرة، فسيُقاربها جعجع انطلاقاً من الأولويات التي حدّدها الرئيس ايمانويل ماكرون، والتي لا تعارضها «القوات»، أي إنقاذ الوضع المالي في الأشهر الثلاثة المقبلة، وبعدها، إنّ «السلاح» والانتخابات أمران رئيسيان. وسيؤكّد رئيس «القوات» ما قاله لماكرون خلال الاتصال الذي جري بينهما، وهو أنّ المشكلة ليست مع المبادرة الفرنسية ولا مع الرئيس المكلّف مصطفى أديب الذي لم تُسمّه «القوات»، بل في أنّ المنظومة الحاكمة نفسها، التي منعت حكومة الرئيس حسان دياب وكلّ الحكومات السابقة من تحقيق أي شيء، ستمنع أديب من الإنجاز. وسيقول جعجع بوضوح، إنّ «لا إمكانية للتعاون مع المنظومة السياسية إلّا على قاعدة انتخابات نيابية مبكّرة، لتغيير هذا الواقع. فهذه المنظومة أثبتت فشلها على أكثر من مستوى».