تغيب القوات اللبنانية عن المشهد السياسي الحكومي. لكنها تحضر بقوة في المجلس النيابي، بعد معركتَي قانون الانتخاب ورفع السرية المصرفية. المشهد العام بحسب رئيس الحزب سمير جعجع «صعب»، وهو لا يتوقع خطوة إيجابية واحدة ما لم تُجرَ انتخابات نيابية مبكرة وفق القانون الحالي
يخالف رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الانطباع بأن القوات اللبنانية منكفئة في المشهد الداخلي العام. يقسم، في كلامه إلى «الأخبار»، الاهتمام القواتي إلى ثلاثة مستويات: الاجتماعي والتشريعي والشأن السياسي العام. لا تعنيه مشاورات تأليف الحكومة ولا القيام بمبادرات أو حوارات مع القوى المعنية بالتأليف «لأن أي حكومة ستكون كالحالية المستقيلة ما دام القرار سيبقى مع من يحرّكون الخيطان من وراء الستارة».
منذ 17 تشرين الأول 2019، تعيش القوات اللبنانية حالة ضغط، في ظل التظاهرات الشعبية، ومن ثم استقالة الحكومة الأولى للرئيس سعد الحريري وتشكيل حكومة الرئيس حسان دياب، ثم إعادة تكليف الحريري تشكيل الحكومة. جاء انفجار المرفأ، وبعده انفجار الخلافات السياسية وتبادل الاتهامات بين بعض القوى السياسية حول الفساد، ليعطي كلُّ ذلك القوات تقدماً بالنقاط. وهي وقفت تتفرج حين لم يدخل اسمها في الملفات المفتوحة على تبادل الاتهامات بين قوى دخلت السلطة منذ سنوات طويلة. بعد انفجار المرفأ، وسقوط شهداء بينهم من ينتمي إلى القوات، وتضرر مناطق في العاصمة تُعتبر تقليدياً موالية للقوات و«قلب الوجود المسيحي» في بيروت، وتزامناً مع «كارثة اقتصادية واجتماعية طاولت الجميع»، أعطت القوات الأولوية لتأمين عشرات آلاف المساعدات الاجتماعية التي يصر جعجع على إيلائها اهتماماً ملحوظاً، من مساعدات مدرسية وحصص غذائية ومحروقات للتدفئة وإعمار منازل مهدّمة، بدعم كبير من لبنانيين في دول الانتشار. لكنّ القوات في النهاية حزب سياسي، ولا يحبّذ جعجع القول بأنه منكفئ عن المشهد العام.
في المرحلة التي تلت 17 تشرين وانفجار المرفأ، تكثّفت الضغوط لاستقالة نواب القوات، وهو الأمر الذي – بحسب جعجع – «أثبت اليوم عدم صوابيته، انطلاقاً من ثلاث محطات مفصلية: مناقشة قانون الانتخاب، ورفع السرية المصرفية ربطاً بالتحقيق الجنائي، وهو إنجاز مهم جداً لأنه حشر الكل في الزاوية ولا يقدر أحدٌ على تخطيه بعد الآن، وأخيراً التمديد لكهرباء زحلة. وهذا أمر لا تجب الاستهانة به، بعدما مورست ضغوط وعمليات ابتزاز لإعطائها لطرف ثان، وليس للدولة».
تنطلق القوات من مقاربة موضوع قانون الانتخاب من زاوية أن هذا الملف لم يُقفل. ينبّه جعجع إلى أن «الهدف من طرح قانون الانتخاب حالياً، عدم إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، بحجة عدم إقرار قانون جديد للانتخاب. تصوّروا لو كنا مستقيلين وخارج المجلس النيابي، لكان عُدل القانون الحالي وأصبحنا في مكان آخر. لكن هذا لا يعني أن معركة قانون الانتخاب انتهت، بل العكس. فالأكيد أن الأطراف التي تريد تغييره ستثير ذلك مجدّداً».
معركة القانون تعني، في المحصلة، «تغيير الأكثرية الحالية، وهذا يعيد إلى السؤال الأول: لسنا منكفئين، لا بل إن موقفنا فعّال، وصوتنا منذ لحظة 17 تشرين وما قبلها عالٍ. فمنذ بداية الأزمة لم تحقق الأكثرية الحاكمة ربع خطوة. مع الأكثرية الحاكمة لا يمكن لنا أن نفعل شيئاً ولا أن يتقدم البلد خطوة واحدة». وسأل: «لماذا ندخل في مناقشات تشكيل حكومة جديدة؟ فأي حكومة جديدة ستكون، في ظل الأكثرية الحاكمة، نسخة عن حكومة حسان دياب التي ضمّت وجوهاً جديدة، لكنها لم تتمكن من تحقيق أي شيء. ولمن يسأل لماذا لا تضغطون لاستقالة رئيس الجمهورية، نجيب لأنه في ظل الأكثرية الحاكمة سينتخبون رئيساً مثله».
هناك من يريد ألّا تحصل انتخابات بالمطلق، لا مبكرة ولا في موعدها
من هنا، تصبح الحلقة الأساسية في استراتيجية القوات الحالية، كخطوة وحيدة مفيدة، هي «الانتخابات المبكرة التي طرحناها منذ 17 تشرين ، ونضغط لإجرائها، لأن هناك من يريد ألّا تحصل انتخابات بالمطلق، لا مبكرة ولا في موعدها. في أي أزمة سياسية يعيشها بلد ما يسمح للناس بإعطاء رأيهم، وطبيعي أن يعبّروا من خلال الانتخابات لإنتاج سلطة جديدة».
يدرك جعجع صعوبة تحقيق هذه الخطوة في ظل «الأكثرية الحاكمة». ويشير إلى أن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد «كان واضحاً في قصر الصنوبر حين أبلغ الرئيس الفرنسي رفض الحزب للانتخابات وللتحقيق الدولي في انفجار المرفأ. لكننا سنستمر في الضغط لأنها السبيل الوحيد لتغيير الأكثرية الحالية، وحينها يمكن للأكثرية الجديدة القيام بعملية إنقاذ سياسي واقتصادي للبنان».
لا نضغط لاستقالة رئيس الجمهورية لأن الأكثرية الحاكمة ستأتي بمثله
حتى ذلك الوقت، لا يتوقع جعجع إيجابيات تُذكر في الوضع الراهن، «لا بل العكس. إذا لم تتغير الأكثرية، سيكمل الانهيار الحالي، وسنمر بأوضاع أكثر صعوبة، والسلطة الحالية لن تتمكن من الاستمرار إلا بصرف الاحتياط الذي لا يُفترض المسّ به لأنه أموال الناس، ولن نسمح بذلك. الوضع سيتدهور أكثر وستزيد عذابات اللبنانيين، حتى لو تشكّلت حكومة، طالما أن القرار لا يزال مكانه. من هنا لماذا سنتواصل مع رئيس الجمهورية والكتل السياسية في موضوع الحكومة وغيره طالما أن النتيجة معروفة؟ مع الأكثرية الحاكمة لا نفع من أي حوار. فالج لا تعالج».
وعن تدخل القوات مع السعودية والإمارات، مثلاً، لإعادة مدّ المساعدة المالية، يجيب جعجع: «نقوم باتصالاتنا، لكن ليست لديهم أي نية في الوقت الحاضر، لأن الوضع الحالي ميؤوس منه، وكما صُرفت المساعدات بالمليارات، ستطير أي مساعدات جديدة. ما دامت الطبقة فاسدة جاحدة فهم لن يضعوا أموالهم في لبنان».
أخيراً لا يربط جعجع بين الجرائم الثلاث التي حصلت أخيراً، لكنه يعتبر أن جريمة الكحالة، بحسب المعطيات، «محترفة بامتياز باعتراف المعنيين، ويفترض بحسب الأدلة التي وُجدت العمل سريعاً لكشفها»، مبدياً ثقته بالجيش وقوى الأمن «المؤسستين الأساسيتين الباقيتين ويجب الحفاظ عليهما لأن المسّ بهما يعني: على الوضع السلام».