لم يكن غريباً السقف العالي الذي أطلّ به رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع في خطابه في ذكرى شهداء “المقاومة اللبنانية” مصوّباً في كل الإتجاهات.
يعلم جعجع جيداً أن الدولة تنهار ولا توجد نية لدى السلطة الحاكمة بوقف هذا المسلسل الرهيب، لذلك كان لا بدّ من هذا الخطاب الذي ترافق مع عظة نارية أيضاً لممثل البطريرك الماروني المطران حنا رحمة.
وبغضّ النظر عن النقاط الجوهرية التي طرحها جعجع في خطابه، من التوجه إلى الأحرار الشيعة، إلى الذهاب بعيداً في موضوع تفجير المرفأ والتحذير من ارتكابات السلطة المكونة بشكل أساسي من ثنائي “حزب الله” و”التيار الوطني الحرّ”، ومخاطبة قوى المجتمع المدني، إلا أن النقطة الأساس أيضاً كانت الدعوة إلى إنتخابات رئاسية مبكرة.
في خطاب جعجع إعتراف بأن الآمال التي وُضعت على العماد ميشال عون سقطت، بل تحوّل عهده إلى جهنم وجحيم حقيقي، لكنّ جعجع الذي يعرف جيداً دقة التوازنات الداخلية والخارجية، يتنبّه لنقطة أساسية وهي أن أي دعوة لإسقاط عون في ظل هذه الموازين الحالية ستأتي برئيس شبيه بالرئيس الحالي، وهذا الأمر لن يبدّل في التوازنات شيئاً.
وفي السياق، فإن جعجع الذي وقف مدافعاً عن خط بكركي وطروحات البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، لا يرغب بالذهاب نحو سيناريو قد يجرّ إلى الفوضى، لأن الزمن الحالي ليس زمن إنتفاضات أو إنقلابات.
وإذا كان خطاب جعجع حمل دعوة إلى رحيل عون، فإنه لا يزال يربط هذا الرحيل بإجراء إنتخابات نيابية لأن “حزب الله” المتحكّم بالأكثرية الحالية سيرى فرصة مناسبة للإتيان برئيس يشبه عون ويحمي “دويلته” لست سنوات جديدة، بينما الحقيقة أنه بات متبقّياً نحو 13 شهراً من ولاية عون. قد يكون جعجع فتح معركة الإنتخابات النيابية والرئاسية باكراً، لكن في الحسابات العملية والعلمية لا يمكن إجراء أي إنتخابات حالياً لأن الإنتخابات النيابية تتطلّب تحضيراً، وأصلاً بقي من عمر المجلس الحالي حوالى 8 أشهر، وفي حال إجرائها في موعدها المقرّر في أيار من العام المقبل، فإنه يبقى من ولاية عون ما بين 5 و6 أشهر. وأمام كل هذه الوقائع، فإن القضية لم تعد في التوقيت، بل في المنحى السياسي والشعبي الذي تسلكه الأمور، فرئيس الحزب “التقدمي الإشتراكي” وليد جنبلاط قال إنه يقف خلف البطريرك الماروني في موضوع إقالة رئيس الجمهورية “فاذا لم يدعُ إلى مثل هكذا أمر فلن أرتكب غلطة المطالبة بإقالة الرئيس إميل لحود”.
ويعلم الجميع، أن ملف إنتخابات رئاسة الجمهورية يحتاج إلى توافق إقليمي ودولي بغضّ النظر عن العوامل الداخلية المؤثرة في هذا الموضوع، لذلك فإن جهد كل القوى السياسية وعلى رأسها القوى المسيحية ينصبّ على الإنتخابات النيابية، لأنها قادرة على التأثير في مجرياتها بشكل كبير، لكن المعركة الرئاسية لا ترتسم ملامحها قبل أيار المقبل بانتظار المنازلة النيابية الكبرى وقراءة الأهواء الخارجية وماذا ستفعل تلك الأهواء ببلد الأرز. فتح جعجع بطرحه الإنتخابات الرئاسية المبكرة باب التأويلات والأقاويل وبازار الأسماء، لكن الأكيد أن جهد “القوات” منصبّ على الإنتخابات النيابية ليس فقط من أجل حصد أوراق في المعركة الرئاسية بل من أجل إضعاف حلفاء “حزب الله” و”تشليح” الغطاء المسيحي.