هل التبريرات بتجاوزات المتظاهرين تستدعي إطلاق النار على الرؤوس ؟
ما جرى في الطيونة «مجزرة حقيقية «تؤشر الى مرحلة جديدة في الازمة اللبنانية، لان ما حصل ليس عفويا مطلقا ، وكل من تابع سير العمليات العسكرية من ضباط متقاعدين ومحللين، بغض النظر عن انتماءاتهم السياسية، يؤكدون ان من يقوم باطلاق النار على الرؤوس، وفي مثل هذه الطريقة من التنفيذ الدقيق، لا يمكن الا ان يكونوا مسلحين مدربين «وحريفين « بعناية، ويعملون ضمن مجموعات تجيد فنون القتال و»التكتيكات « والانتشار ، وهكذا عمليات تحتاج الى دعم كامل لتأمين الانسحاب والتخفي لمنع الانكشاف على القوى الامنية ، كما كشفت عمليات القنص « خبرة « لافتة من خلال دقة الاصابات على الرؤوس و»القلب» ، وهي تحتاج الى اسلحة معينة و متطورة وكفاءة عالية، وتدريبات من نوع خاص. . وهذا ما يؤكد ان ما حصل نفذ بقرار سياسي كبير لجر البلاد الى حرب اهلية، كأن البعض لم يتعلم من تجارب الماضي الاليم الذي خلف مئات آلاف القتلى والجرحى ،من دون اي نتيجة سياسية في تغيير موازين القوى على الارض؟
وحسب مصادر متابعة ، فان الكثيرين من «كبار القوم» في السياسة والاعلام، ومن دون اي حس انساني او رادع اخلاقي ،حاولوا تبرير القتل بانحراف المسيرة عن مسارها ، والدخول الى بعض الاحياء، لكن هل يستدعي الرد اطلاق النار على الرؤوس والقتل في مثل هذه الطريقة الاجرامية ؟ وهل حضر السلاح فجأة ام انه كان جاهزا على السطوح والبنايات وانتشار القناصة ودرس سير مكان المسيرة جيدا ؟ والصور التلفزيونية اظهرت سقوط الضحايا اثناء المسيرة ، حتى ان ٣ اجهزة امنية رسمية ، اتهمت «القوات اللبنانية» باطلاق النار على الرؤوس خلال اجتماع مجلس الامن المركزي، وهذا ما اكده وزير الداخلية بسام المولوي بتصريحه بعد الاجتماع بان» اطلاق النار تمّ على رؤوس متظاهرين سلميين «. وما جرى بعد ذلك من اطلاق نار متبادل وغزارة النيران، يؤكدان ان التحضيرات كانت جاهزة لكل التداعيات والسيناريوات وصولا للانفجار الشامل ؟.
وتذكر المصادر عينها بالواقع اللبناني المأزوم منذ ١٧ تشربن الاول ٢٠١٧ والمفتوح على كل الاحتمالات، وحجم الانقسامات السياسية في البلاد والتظاهرات وقطع الطرقات والشتائم بحق الجميع والاستفزازات ،ولم تشهد كل تلك الاحداث طلقة نار واحدة مع استثناءات محدودة جدا ، وشاركت كل القوى في نشر الفوضى التي بقيت تحت السقف ، وتمكن الجيش من معالجة الامور بحكمة، واعاد الاوضاع الى نصابها ، ولم يقدم اي فريق سياسي على اطلاق النار رغم حجم الاشكالات كما حصل في الطيونة الذي كاد يفجر البلد ويمحيه «عن بكرة ابيه» ؟ ما مبرر ذلك ؟وهل هناك علاقة بين المجزرة ووصول الوفد الاميركي وابلاغ الرسالة :»نحن القادرون على مواجهة حزب الله» ؟
وتتابع المصادر، اليس من حق حزب الله و»حركة امل» التظاهر ردا على قضية يعتبرون انهم مستهدفون من خلالها ، وهذا الحق مارسته «القوات» ،وكان يمكن الرد والدفاع عن القاضي البيطار باللجوء الى شارع آخر ،كما حصل عام ٢٠٠٥ بعد استشهاد الرئيس رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية ، وبقي الصراع سياسيا تحت السقف رغم حدته ، بدلا من ارتكاب مجزرة ستفتح البلد على مسارات متوترة .
وتذكر المصادر بتصرف حزب الله المسؤول في خلدة ردا على المجزرة التي ارتكبت بحق عناصره من اجل سلامة البلد، وذهب الى الدولة للحصول على حقوقه، رغم ان ما جرى في خلدة ضد الحزب، ربما شجع «القوات اللبنانية» على ارتكاب ما حصل ، كما ان الحزب تصرّف بنفس الطريقة بعد مقتل ٣ من عناصره غدرا عند مفرق الجية ؟ وهكذا سيتصرف بعد مجزرة الطيونة مع مبدأ عدم التنازل عن حقوقة ومحاسبة المجرمين عبر احالة الجريمة على المجلس العدلي وانزال اشد العقوبات بالمنفذين والمحرّضين والمخططين.
وتؤكد المصادر ، ان ما جرى رسالة «قواتية» ليست موجهة الى حزب الله و»امل» و٨آذار، بل الى الجيش لللبناني وقائده ، ورئيس الجمهورية وكل القوى السياسية المسيحية بان «الامر لي» قبل الانتخابات النيابية والرئاسية؟ ورسالة ايضا للمجتمع المدني،»بان دوركم انتهى كليا والعمل تحت سقف قراراتي.. والا»؟ ورسالة للاميركيين «بانني الاقوى على الارض ضد حزب الله»؟
وفي نفس الوقت، تشير المصادر الى ان جعجع لم يدرك بعد ، ان ما اقدم عليه افقده كل اوراقه عند الطوائف الاسلامية جراء لجوئه الى السلاح ،كما ان الاميركيين والفرنسيين يعرفون جيدا موازين القوى في المنطقة، وما حل في اليمن وسوريا والعراق وفلسطين ولا ينخدعون ،وهم مع مقاومة مدنية ضد حزب الله حاليا ، ويعملون على تسوية كبرى شبيهة بتسوية ١٩٩١.