Site icon IMLebanon

سمير جعجع الرابح الأكبر

 

سقطت الحكومة الحريريّة. استقالت القوّات اللبنانيّة، وباتت خارج النّادي الحكومي. لكن استقالتها جاءت تماهياً مع موقفها النّابع من وجع النّاس. واليوم رفض الرّئيس سعد الحريري أن يرأس حكومة من سياسيّين، وهذا ما يتماهى به مع مطلب القوّات الذي أعلنه رئيسها في 2 أيلول المنصرم من قصر بعبدا. لكن الطغمة الحاكمة اليوم لا تريد أن تسمع أصوات النّاس، وما زالت متعنّتة في تأليف حكومة سياسيّة مع لمسة من المختصّين. وبعد الصّولات والجولات تبيّن أنّ القوّات اللبنانيّة وحدها أخرجت من هذه التشكيلة المطروحة، ما دفع بعضهم للتطبيل والتّزمير بأنّ سمير جعجع هو الخاسر الأوّل.

على ما يبدو، حتّى الساعة، فإنّ مخاطر ولادة الحكومة ما زالت قائمة. لا بل تتفاقم بعد كلّ تصريح يدلي به أيّ طرف من أطراف الأزمة. فالحريري حسم موقفه، لكنّ كتلته تعارضه. لكأنّه يحاول أن يوحي للأكثريّة الحاكمة بأنّه معها، لكنّ شارعه لا يتجاوب معه. وذلك للالتفاف على أيّ طرح يستبعد اسمه شخصيّاً. بينما أهل السلطة يبثّون في هذه الفترة أخباراً مفادها بأنّ “سيدر” لم يعد مرتبطاً بضمانة وجود الحريري في الحكم، بل فقط بوجود الاستقرار؛ بغضّ النّظر عن الحكومة وشكلها ورئيسها.

هذه الايحاءات إن دلّت على شيء، فهي تدلّ على أنّ شارع السلطة عاجز أمام مواجهة الشارع اللّبناني الذي خرج بفعل ثورته عن طاعة زعمائه. وأمام هول الكارثة الاجتماعيّة التي رفعت منسوب الاكتئاب عند النّاس، ما دفع بعضهم إلى الاقدام على الانتحار، تقف السلطة عاجزة عن المواجهة. وتمضي قدماً في مخطّطها الاستيعابي للشارع غير الآبه لأيّ تدابير قد تأخذها هذه السلطة لمواجهته. سقف الخسارة مرتفع جدّاً. لذلك، سقف المواجهة سيرتفع أكثر. ويخطئ من يظنّ أنّه سيستطيع أن يحتوي الشارع بتزكية بعض الأسماء غير الاستفزازيّة، مع احتفاظه بالدّور نفسه الذي كانت مضطّلعة به هذه الأسماء، الاستفزازيّة منها، في الحكومة المستقيلة.

يقف سمير جعجع وحده في محرابه المعرابيّ، متمسّكاً بموقفه المتماهي مع مطالب النّاس. فهو سبقهم في شارعه السياسي إلى ساحات السياسة الضيّقة. وطالب بحكومة أخصّائيّين مستقلّين. لذلك، من المؤكّد أنّ القوّات لن تسمّي أحداً في الاستشارات المزعومة، أو قد تسمّي الرّئيس الحريري في حال قرّر السير بأجندتها التأليفيّة.

من هنا، نحن أمام حالة متجدّدة سيقبع فيها لبنان. في حال تسمية أيّ شخص غير الحريري سنكون أمام رئيسين لحكومتين: واحدة لتصريف الأعمال وفيها وزراء القوّات، وأخرى قيد التأليف تحت مجهر محاسبة الثوّار، والتي إن خالفت مطالبهم لن تولد. وإن ولدت ستجهض في الشارع، وبالتّالي ستكون ميتة. ناهيك عن النتائج الكارثيّة التي ستجلبها على لبنان اقتصادياً وماليّاً من المجتمع الدّولي الذي لا يمكن الالتفاف على وعيه بمتاهات السياسة اللبنانيّة بعد اليوم.

لذلك، على أهل السلطة الاصغاء إلى صوت النّاس، وهو صوت العقل. ولن تكون أيّ حكومة في لبنان ما لم تستجب لصوت النّاس. وصوت النّاس هو عينه الصوت الذي أطلقه سمير جعجع في 2 أيلول من قصر بعبدا. وستكون حكومة لبنان تماماً كما طالب بها. وإن لم تحصل فإلى الشارع والمواجهات در. عندها يكون الرّجل قد استجاب مع حزبه لصوت أهله وناسه التي صارت مستعدّة للمحاسبة عند أيّ استحقاق انتخابيّ قادم. لذلك، سمير جعجع سيكون الرّابح الأكبر.