أظهرت الإستدعاءات التي حصلت في غزوة الطيونة وطلب الإستماع إلى إفادة رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع دون سواه من المسؤولين عن تحريك الغزوة، أن “القصة ليست قصة رمانة بل قلوب مليانة” من “الحكيم” ومن “عين الرمانة” التي تمثّل قلعة المقاومة والصمود.
حدّد القضاء العسكري عبر مديرية المخابرات الساعة التاسعة من صباح اليوم موعداً للإستماع إلى إفادة جعجع في اليرزة، ومنذ شيوع الخبر وحصول التبليغ لصقاً على باب معراب بدأ الشارع المسيحي يغلي ويستنكر.
لم تعد القضية عند معراب أو القواتيين فقط، بل تخطّتها إلى الغالبية العظمى من المسيحيين وبقية الطوائف التي استشعرت بالخطر وأن هناك شيئاً ما يُفبرك ويُركّب.
وعادت ذاكرة المسيحيين إلى زمن الإضطهاد ومحاكمات جعجع أيام الإحتلال السوري وصولاً إلى إعتقاله، ومن ثمّ التنكيل بشباب “القوات” والسياديين على الحواجز وسحبهم من منازلهم ومعاقبتهم.
كل تلك الأحداث أُخرجت من الذاكرة الجماعية للمسيحي اللبناني الذي عانى أيام الحرب والسلم على حدّ سواء، وكأن عقارب الساعة تعود إلى الوراء، وكل ما تمّ بناؤه من الـ2005 إلى يومنا هذا طار بلحظة وعدنا إلى زمن إحتلال آخر بنكهة إيرانية بدل السورية.
وما يثبت سياسة تركيب الملفات، أن التحقيقات التي أجريت لم تُدن جعجع أو “القوات” ولم تكن تحقيقات سياسية، في حين أن قرار القاضي فادي عقيقي أتى مفاجئاً للجميع وحاول وضع الجيش في مواجهة “القوات”، مع العلم أن قضاة المحكمة العسكرية يعيّنهم وزير الدفاع وليس قيادة الجيش، وبات معلوماً أن هذه المحكمة تقع تحت سيطرة ونفوذ “حزب الله”.
وللمفارقة، أن الآية مقلوبة بين 1994 واليوم، فالشعب المسيحي والوطني السيادي، لم ينتظر ما سيقرره “الحكيم” بالنسبة إلى جلسة اليوم، بل تقدّم إلى حدّ القول إنه ممنوع على جعجع الصعود إلى التحقيق المسيّس والمفبرك، فالزمن الماضي ولّى إلى غير رجعة “وإذا الحكيم بدّو يطلع نحنا بدنا نمنعو”.
ووسط الغليان في الشارع المسيحي، ظهرت دعوات لقرع الأجراس والتجمّع والتظاهر صباح اليوم إستنكاراً لعودة “القضاء العضومي”، ولعدم إسترجاع زمن الإضطهاد الذي دفع المسيحي ثمنه الأكبر ولم يسلم منه بقية اللبنانيين.
وينطلق الداعون إلى التحرّك وعلى رأسهم أهالي عين الرمانة وفرن الشباك من عدّة مؤشرات، أوّلها التخوّف من مخطّط لاغتيال جعجع في حال خرج من معراب، كذلك فإن جعجع حالياً بات يمثّل حالة وطنية عابرة للمناطق والطوائف وهو القوة الأخيرة التي تصمد في وجه مشروع “حزب الله”، وسقوطه أو تطويقه أو عزله يُنهي المقاومة السياسية لمنطق “الدويلة”، ويشرّع الأبواب أمام السيطرة الكاملة للمحور السوري-الإيراني على البلد.
قد تكون المعطيات السياسية تبدّلت، لكن لا يمكن الإسقاط من الحساب أن الفريق الآخر يريد إسقاط كل الحواجز من أمامه لكي يحكم وحيداً مثلما فعل السوري عام 1994، لذلك فإن الحذر يجب أن يبقى دائماً، لأن المعركة إنطلقت الآن والمواجهة في المرحلة المقبلة ستكون أصعب والشباب اللبناني السيادي عموماً، والمسيحي خصوصاً، مصمم على إنجاح مشروع الدولة في وجه “الدويلة”.