Site icon IMLebanon

النزول عن شجرة “الاستدعاء”؟

 

 

ها هي ورطة جديدة تكبل القوى السياسية والسلطات السياسية والعسكرية والقضائية، باستصدار تبليغ رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع من قبل مخابرات الجيش، للاستماع إلى إفادته كشاهد في أحداث الطيونة – عين الرمانة.

 

وإذا كان واضحاً أن هذه الخطوة جاءت في سياق الحملة التي شنها “حزب الله” على جعجع ونتيجة عملية لها، فإن الأمر لا يحتاج إلى كثير من الاجتهادات من أجل الاستنتاج بأن نفوذ “الحزب” في المحكمة العسكرية سواء كان ذلك في شكل مباشر أو نتيجة تحالفه مع “التيار الوطني الحر”، ومونة الأخير على من أصدر هذا التبليغ. والأكثر وضوحاً هو أن ما حذر منه البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي السبت الماضي، وقبله خلال لقائه قائد الجيش العماد جوزاف عون، أي ابتداع معادلة التحقيق بحادث الطيونة مقابل التحقيق في انفجار مرفأ بيروت، بات أمراً واقعاً، بعد أن صار الحديث عن ملاحقة حزب “القوات” طاغياً في اليومين الماضيين، وسط مخاوف الراعي وغيره من عودة أسلوب تركيب الملفات، الذي خبره جعجع بالتفصيل منذ العام 1994، على الرغم من أنه اعتبر أن هذا العصر قد ولّى.

 

كيف الخروج من الورطة، في وقت يعتبر بعض السياسيين المخضرمين وذوي الخبرة التاريخية في أزمات البلد، أن الأمر يحتاج إلى ما يشبه “العجيبة” بعد اتخاذ البعض مواقف يصعب عليهم التراجع عنها. فليس هؤلاء الفرقاء وحدهم هم الخاسرون، بل إن البلد برمته يتعرض لأفدح خسارة جراء تعليق كل الحلول، في انتظار إيجاد المخرج كي ينزل بعض الفرقاء عن الشجرة التي صعدوا إلى أعلاها، ولا سيما “حزب الله”. فهل يكفي الاعتماد على مرور الزمن وتقطيع الوقت حتى تخبو مفاعيل الورطة؟

 

هناك سوابق كثيرة لحالات من هذا النوع بلغت فيها الأمور الحائط المسدود، وجرت وفق ما يريده الأقوى والأكثر سطوة، كما كانت الحال في عهد الوصاية السورية. إلا أن ما ينطبق على تلك الحقبة يصعب أن ينطبق على الحالية حتى لو كان “حزب الله” بوكالته عن إيران وريث السطوة السورية، وفي موقع مغاير لأنه فريق لبناني ومكون أساسي في الخريطة السياسية. لكن “الحزب” يعتمد سياسة التصعيد فوق ما تحتمله فسيفساء البلد الدقيقة، التي مضت سنوات عليها وهي تتململ من دوره بأبعاده الإيرانية.

 

قرار استدعاء جعجع، حتى لو صدر عن جهة قضائية، يتجاهل حساسية العودة إلى استضعاف المسيحيين، بعدما تلاشت نظرية الرئيس المسيحي القوي وبات همه استرجاع بعض ما خسره، وإذا تعذر، التخفيف من الخسائر المقبلة جراء الارتماء في أحضان الخيارات الإقليمية لـ”الحزب”، التي ساهمت في تفاقم الإزمة الاقتصادية المالية وحالت حتى الآن دون معالجتها. ومثلما يرفع القرار القضائي الأخير منسوب الاستقطاب الطائفي في البلد، وينقل الصراع إلى مسيحي شيعي، يستعيد الفرز السياسي العمودي. والدليل اضطرار زعيم تيار “المستقبل” الرئيس سعد الحريري إلى رفض مذكرة استدعاء جعجع، ودعوة رئيس “الحزب التقدمي الاشتراكي” وليد جنبلاط إلى توقيف جميع مطلقي النار في حادثة الطيونة من دون تمييز. وهما بذلك يتضامنان مع جعجع مع أنهما ليسا على تحالف أو وئام معه. فـ”الحزب” يبني بنفسه فرزاً سياسياً جديداً معادياً له.

 

قد يكون “حزب الله” حقق مراده عبر “الضرب الإعلامي” الصادر عن جهة قضائية، والذي وضع جعجع في موقع التمنع عن المثول أمام مخابرات الجيش، خصوصاً أن الأخير ومريدوه يحتاطون لاحتمال حصول أكثر من قنبلة إعلامية، ومن رفع مستوى استهدافه، إلا أن المطالبة بمثول الأمين العام لـ”الحزب” السيد حسن نصرالله تضعه في المقابل في موقع الملاحقة، ولو إعلامياً.

 

الثابت أن الجهة القضائية التي استدعت جعجع ضربت بعرض الحائط تفاعلات استهداف زعيم مسيحي، وتداعيات ذلك على المسرح السياسي المحلي، وتجاهلت الأبعاد الإقليمية والدولية لهذه التداعيات، نظراً إلى تحالفات رئيس “القوات” الخارجية.