Site icon IMLebanon

هذه قصة استدعاء جعجع

 

تتفاعل مسألة استدعاء رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع الى اليرزة لأخذ إفادته، وذلك على وقع تجاذب سياسي حاد حول هذا الإجراء الذي وجد فيه البعض مؤشرا واضحا الى تورّط معراب في «الخميس الأسود»، بينما وضعه آخرون في خانة التصويب السياسي عليها.

وفق الاستدعاء الذي تبلغه جعجع لصقاً على مدخل مقر إقامته في معراب، يُفترض ان يحضر عند التاسعة صباح اليوم الى مديرية المخابرات في الجيش – فرع التحقيق للادلاء بإفادته، كمستمع اليه، حول أحداث الطيونة الدامية.

 

لكنّ الأكيد هو ان جعجع لن يمثل أمام المخابرات في اليرزة، وبالتالي لن يمتثل لطلب مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي بالاستماع اليه، الأمر الذي يطرح تساؤلات عن الاحتمالات اللاحقة والمسار الذي سيأخذه هذا الملف، خصوصا بعدما تداخلت فيه العوامل القضائية بتلك السياسية، الى حد استدعى تدخّل البطريرك الماروني بشارة الراعي لتعزيز «الحصانة» على رئيس القوات.

 

وعلى رغم ان جعجع ليس في وارد التجاوب مع طلب استدعائه، الا ان المعلومات تفيد بأنّ مديرية المخابرات أنجزت كل التحضيرات للاستماع اليه وكأنه سيحضر الى اليرزة، حيث تم إقرار الاجراءات الأمنية واللوجستية الواجب اتباعها في اعتبار ان المستدعى هو رئيس حزب، كذلك جرى وضع الاسئلة والاستفسارات التي ستُوجهّ اليه، وتم اختيار المحقق الذي سيتولى أخذ إفادته، ربطاً بما أورده بعض الموقوفين في إفاداتهم.

 

وبينما تعتبر معراب وبعض القوى ان هناك صيفا وشتاء تحت سقف التحقيق، وان استدعاء جعجع ينطوي على استهداف سياسي له في سياق تصفية الحسابات معه، يؤكد مواكبون عن قرب لهذه القضية ان مخابرات الجيش أجرت «تحقيقا مهنيا ضمن الإطار التقني المَحض، وانها استندت في التوقيفات والاستجوابات الى وقائع ميدانية بعيدا من اي تسييس او انتقائية.»

 

ويشير هؤلاء الى ان المحققين أنجزوا مهمتهم خلال مدة قياسية لم تتجاوز حدود الاسبوع تقريبا، «كانت خلاله مديرية المخابرات كناية عن خلية نحل للتحقيق مع الموقوفين ومراجعة صور الفيديو والتدقيق في الادلة الجنائية التي تم تجميعها من الأرض والاستماع الى شهود العيان والى الجرحى في المستشفيات، وهذا تطلّب عملا دؤوبا ومنهكا، ليلا ونهارا، لأنه كان ضروريا استكمال الملف في اقصر وقت ممكن بفعل الحساسية الفائقة لهذه الحادثة وما سببته من احتقان داخلي وتهديد للسلم الاهلي».

 

ويكشف المطلعون على كواليس القضية انه «ليس صحيحا ان جميع الموقوفين والمطلوبين يحملون اللون القواتي حصرا، لافتة إلى ان 3 منهم ينتمون الى حركة أمل، كما أن اكثر من 20 شخصا من بين المطلوبين الى التحقيق عقب الإدعاء عليهم، والذين صدرت في حقهم مذكرات بحث وتحر، يتبعون للحركة وهناك عدد مماثل تقريبا من القواتيين».

 

ويروي المطلعون ان القاضي عقيقي كان يواكب تحقيق المخابرات بشكل يومي، ويطلع على تفاصيله أولاً بأول، «وهو نزل الى الأرض وعايَن مسرح الأحداث بنفسه. وبالتالي، فإنّ طلبه الاستماع إلى جعجع لم يأت من فراغ وإنما ارتكز على اسباب موجبة، من بينها انه تبيّن خلال التحقيق ان العناصر القواتيين الذين شاركوا في اطلاق النار لم يكونوا جميعهم من منطقة عين الرمانة بل ان بعضهم اتى اليها من خارجها، وهذا بشكل اساسي ما دفعَ عقيقي الى استدعاء جعجع لمعرفة ما اذا كان هؤلاء قد تحركوا بمبادرة منهم ام بأمر شخصي منه، خصوصا ان المعروف عنه انه الآمر الناهي في القوات، إضافة إلى ان الاعترافات بوجود استعدادات مسبقة عشية الحادثة عززت الحاجة إلى أخذ إفادته».

 

اما لماذا لم تُستدع شخصيات قيادية من الطرف الآخر الى التحقيق أيضا على قاعدة المعاملة بالمثل كما تنادي معراب، فإن العارفين بحيثيات سلوك القاضي عقيقي يلفتون الى واقعة محورية انطلق منها وهي انه «ثبت بموجب التحقيق ان إطلاق النار بدأ من جهة محددة، ما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف متظاهري الطرف الآخر الذين بادروا عندها الى الإتيان بالسلاح واستخدامه في إطار رد الفعل الفوري وليس ترجمة لقرار سياسي مسبق، ولذا لم يجد عقيقي مسوغا للاستماع الى القيادة السياسية لهذا الطرف، علما ان مستعملي السلاح الذين ظهروا على المَلأ هم موقوفون أو ملاحقون».

 

ما هي الخيارات الممكنة اذا امتنع جعجع عن الحضور اليوم الى اليرزة كما هو محسوم؟

 

يعتبر العارفون ان القاضي عقيقي سيتجه نحو اصدار مذكرة بحث وتحر في حق جعجع أو الإيعاز الى مديرية المخابرات بإقفال ملف الاستدعاء وإحالته اليه. لكن، وبمعزل عن السيناريو المحتمل، صار واضحا ان استدعاء رئيس القوات أصبح جزءا من مواد الانقسام السياسي والطائفي بدل ان يبقى في سياقه القضائي – القانوني.