Site icon IMLebanon

جعجع يودّع العام بانقلاب كبير… ويتفرّغ لتحديات “الآتي”

 

لم يكن العام 2019 سهلاً على البلد، وقد يكون ما شهده هو أكبر تحوّل في مسيرة لبنان الكبير الذي يستعدّ في 1 أيلول المقبل للإحتفال بمئويته الأولى وسط خوف على بقاء الكيان، ومع ارتفاع الأمواج العاتية التي تضرب بلد الأرز، يراقب رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع الأوضاع ويبدي خشية كبيرة مما قد تصل إليه الأمور من تدهور بدأنا نعيش فصوله.

لا شكّ أنّ القوى السياسية تعيش مأزقاً حقيقياً بعد ثورة 17 تشرين، فهذه القوى التي كانت تظن أن المجتمعين العربي والدولي لن يتركا لبنان ينهار، باغتتها الأحداث وأصبح البحث عن الخلاص كمن يبحث عن إبرة في “كومة قشّ”. ويُعتبر حزب “القوات اللبنانية” من بين القوى الأساسية التي عانت العام 2019 من بعض الأحلاف التي كانت تنسج في الفترة الماضية، ووصل الأمر ببعض القيادات القواتية إلى الندم على التسوية الرئاسية التي أوصلت العماد ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية وأعادت الرئيس سعد الحريري إلى السراي الحكومي.

 

لم تكن بداية العام 2019 موفقة بالنسبة لـ “القوات”، فالحزب الذي فاز بكتلة نيابية بلغت 15 نائباً في إنتخابات 6 أيار 2018، لم يستطع ترجمة هذا الإنتصار في عملية تأليف الحكومة التي امتدت إلى 2019.

 

“الأحلاف والعزل”

 

وُضع رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع منذ بداية العام تحت الأمر الواقع وحُوصر، فاتفاق رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل مع الحريري كان أقوى من التحالف الذي جمع الحريري وجعجع منذ آذار 2005، وأقوى من “اتفاق معراب” الذي وقّع بين “القوات” و”التيار الوطني” في 18 كانون الثاني 2016.

 

دخل جعجع إلى حكومة الحريري الثانية بأربعة وزراء هم: نائب رئيس الحكومة غسان حاصباني، وزير العمل كميل أبو سليمان، وزير الشؤون الإجتماعية ريشار قيوميجيان، وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية مي شدياق، وهذه الحصة المتواضعة لم تُدخل جعجع نادي من يملكون قوة حكومية، لكنه في الوقت نفسه حاول التأثير قدر الإمكان. إعتمد وزراء “القوات” منطق المشاكسة، وحاولوا فعل شيء ما، وبدأ بوسليمان مسيرة حماية اليد العاملة الوطنية ووضع ضوابط على العمال الأجانب، فثار عليه الفلسطينيون معتبرين أن هذه الإجراءات تستهدفهم.

 

لكن تحذيرات جعجع المتكررة والتي بلغت ذروتها في نيسان الماضي لم تلق آذاناً صاغية، إذ إنه تحدث وقتها عن أن البلاد تواجه خطر الإنهيار إذا لم نقم بأي خطوات جدية، من ثمّ طرح خلال لقاء بعبدا الإقتصادي الذي عقد في أيلول الماضي تأليف حكومة اختصاصيين مستقلة لمواجهة المخاطر التي تضرب البلاد.

 

ومع استمرار المشاكسة الحكومية ورفض محاولات التطبيع مع النظام السوري، قرر جعجع القيام بجولة كندية للقاء المحازبين والجالية اللبنانية، لكن هذه الزيارة ما كادت تنتهي حتى اندلعت ثورة 17 تشرين التي قلبت كل المقاييس.

 

الثورة الشعبية

 

باغتت الثورة الشعبية الجميع، فكان موقف “القوات” هو ضرورة الإستقالة من الحكومة بعدما كان دعا جعجع جمهوره إلى المشاركة في التحركات الشعبية، وعندما لم يلق تجاوباً من الحريري الذي تريث أكثر من 10 أيام ليستقيل، أعلن جعجع إستقالة وزراء “القوات” من دون انتظار الحريري، ما زاد من تعكير صفو العلاقة بين الرجلين.

 

لكن الحرب التي شنّت على “القوات” كانت بعد التحركات التي نُظمت في المناطق المسيحية التي ثارت ضد الحكومة والعهد، وشهدت كل المناطق تحركات وكانت الزوق وجل الديب الأبرز بينها، واتهم “التيار الوطني الحرّ” حزب “القوات” بركوب موجة الثورة وتوجيهها ضدّ الوزير جبران باسيل والعهد، وكادت المناطق المسيحية تشهد صدامات بعد محاولة “الوطني الحر” فتح الطرق بالقوة.

 

أما الضربة التي وجهها جعجع فكانت في نهايات هذا العام، فالرجل الذي بدا أنه ضعيفاً نتيجة حلف باسيل – الحريري، ووُضع خارج المعادلة أطلّ من بوابة الإستشارات النيابية منفذاً الإنقلاب الكبير ومعلناً عدم تسميته لحليفه السابق الحريري ما وضع الأخير خارج أسوار السراي الحكومي بعد تخلي باسيل عنه.

 

التحديات المقبلة

 

تفتح السنة الجديدة على تحديات داخلية جديدة للوطن ولحزب “القوات”، وسط تأكيد الحزب على المضي بسياسته وثوابته المعروفة.

 

وبالنسبة إلى الشق الإقليمي، فان جعجع سيحافظ على علاقته الجيدة مع الدول العربية، لكنّه في المقابل لا يزال يؤكد سياسة النأي بالنفس والحياد وعدم استعمال لبنان متراساً لمهاجمة أصدقاء لبنان.

 

أما داخلياً، فأمام جعجع والحزب تحديات كثيرة، أبرزها التأقلم مع الواقع الجديد، فعملياً لا يوجد لجعجع حلفاء فعليون، وهذا الأمر يعرضه للعزل السياسي مجدداً خصوصاً إذا ما اتفق الكبار بين بعضهم البعض مثل المرحلة الماضية.

 

وتطرح إشكالية التعايش مع العهد، إذ أن كل لقاءات جعجع مع عون كانت تنتهي حسب جعجع بـ”قوم بوس تيريز”، أي دعوة عون لجعجع للتفاهم مع باسيل، وهذا الأمر سيصعّب المهمة على جعجع لأن عون لا يزال يمسك بقسم كبير من القرار ويملك سلاح التوقيع ودعم “حزب الله”.

 

ويبدو أن جعجع بعد استقالته من الحكومة هذا العام لن يدخل الجنة الحكومية في وقت قريب خصوصاً أنه الداعي الأول لحكومة تكنوقراط مستقلة خارج الأحزاب الحالية، وبالتالي فان جمهوره الذي اعتاد على المعارضة سيبقى في صفوفها. ولا يمكن فصل واقع “القوات” التي تخوض صراعاً شرساً مع باسيل على الساحة المسيحية عما يحصل من تغيرات على مستوى الوطن، إذ إن دخول قوة ثالثة على الساحة المسيحية، أي قوة الثورة، سيعيد خلط الأوراق، خصوصاً أن الصراع يأخذ أشكالاً جديدة ولم يعد كلاسيكياً مثلما كان منذ 2005.

 

كل تلك المعطيات تجعل جعجع يفكّر جيداً في الخطوات المقبلة، إذ أن الوضع ليس سهلاً، وغرق سفينة الوطن سيغرق الجميع، وبالتالي فان الأولوية للإنقاذ.

 

وتؤكّد “القوات” أن الأولوية في العام الجديد هي لبناء الوطن وتركيز أسس الدولة لأن الدولة تواجه كارثة الإنهيار وهذا الأمر سيودي بالجميع.

 

التحالفات المستقبلية

 

وتعلم “القوات” جيداً أن هناك تحديات في 2020، لكن في المقابل تلفت إلى أنها كانت حذّرت مما سيحلّ بالوضع اللبناني وهي مع شعار “كلن يعني كلن” في محاسبة الجميع من دون استثناء، والمرتكب فليعاقب وهذا أمر طبيعي.

 

لا يعلم أحد كيف ستتجه التحالفات السياسية، لكن “القوات” تؤكد أن تحالفاتها هي عـ”القطعة” ومع كل من يسير في مشروع بناء الدولة، خصوصاً ان اصطفاف 8 و14 آذار لم يعد موجوداً، والمشروع هو مشروع بناء الدولة فقط لا غير، من هنا تعتبر أن قواعدها الشعبية ثابتة ولم تتأثر بما حصل، بل إنها كانت في صلب مطالب الناس وسلوكها في الحكومة كان سبّاقاً لما حصل لأنها كانت تعرف إلى أين ستتجه الأمور.

 

وترى “القوات” أن معركة بناء الدولة لا تقتصر على التصويب على السلاح غير الشرعي فحسب، بل بالإضافة إلى حل أزمة هذا السلاح يجب أن يتركز العمل في العام 2020 على محاربة الفساد وضرب المنظومة التي دمّرت إقتصاد البلد وسببت الأزمات، فلا يجوز أن يصرّح أحدهم أنه ضد السلاح غير الشرعي وفي المقابل يمرر الصفقات من تحت الطاولة ليضرب عرض الحائط كل بنيان المؤسسات.