استطاع حزب «القوات» ان يظهر التأييد المسيحي له الرافض لاستدعاء رئيسه سمير جعجع الى التحقيق في أحداث الطيونة، لكن التعاطي السياسي مع الاستدعاء بدا متأرجحا بين التأييد الخجول عدم مجاراة «القوات» بالمطلق، فحادثة الطيونة كشفت ان مساحات التلاقي باتت شاسعة بين ثلاثي جعجع جنبلاط وسعد الحريري، وان فريق ١٤ آذار الذي توفي سريريا صار جثة متحللة، فرئيس «تيار المستقبل» خرج من الفريق بالتسوية الماضية مع التيار الوطني الحر ولم يعد اليه بعد، ورئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط يغرد وحيدا في كل الملفات، فيما «القوات» يحاول بما تبقى من قوى سيادية ان يحافظ على مبادئ «ثورة ١٤ اذار» .
أظهرت الطيونة تباعدا قويا وعدم اصطفاف الثلاثي جنبلاط والحريري وجعجع في الاستحقاقات السياسية الخطيرة، فخاضت «القوات» وحيدة المواجهة السياسية ضد ما تعتبره استهدافا وانتقاما منها وشيطنتها في المجتمع المسيحي واتهامها بالمس بأمن هذا المجتمع والتحضير للفتنة.
فاستدعاء جعجع كما تقول مصادر سياسية مواكبة، ترك أثرا سلبيا لدى الرأي العام المسيحي على خلفية اعتبار جزء كبير من هذا المجتمع ان هناك استهداف جديد لرئيس «القوات» نتيجة تزايد شعبيته بعد انفجار المرفأ، وقد أتت حادثة الطيونة لترفع أسهمه الشعبية، فانتشرت صور جعجع في مناطق جبل لبنان كما في الطريق الجديدة وطرابلس وعكار.
وقد أظهر تسلسل الأحداث بقاء الحريري وجنبلاط في أسبوع الأحداث في مقاعد المشاهدين، ومن يتابع عن بُعد تفاعلات حادثة الطيونة ومساراتها قبل ان ينتقل الطرفان الى البيانات المقتضبة، حيث سجّلت عودة الحريري الى التعليق السياسي بتغريدة رفض للتحريض وتوظيف ادارات الدولة في سياسة الإنتقام، موقف الحريري تبعه تغريدة من المختارة لرئيس الحزب التقدمي الإشتراكي يطالب بالعدالة الشاملة وتوقيف كل مطلقي النار في الطيونة.
فعلى الرغم من الخصومة السياسية والتجاذبات بين الثنائي الحريري وجنبلاط، الا ان الاثنين اختارا الدخول بسلاسة على خط الأحداث، بداية تقول المعلومات اختار الحريري النأي بالنفس وانتظار مرور العاصفة، حيث كان باعتقاده ان الطيونة لن تتطور الى حرب أهلية وان انعكاساتها سيتم معالجتها بسرعة على غرار حادثة خلدة او شويا، الا ان تطور الأمور نحو استدعاء جعجع ألزم الطرفان بموقف مختار بدقة لا يفسر انحيازا أعمى الى معراب بقدر ما هو رفع عتب وتسجيل موقف ليس أكثر.
«فبركة» ملف جديد لسمير جعجع لا يستسيغه حلفاء «القوات» كما أخصامها وحلفائها السابقين، كل طرف وفق حساباته الخاصة، فالرئيس نبيه بري لديه مقاربة متمايزة لا تفرط بالمطالبة بتحقيق ومحاسبة مطلقي النار على المحتجين من دون ان يخوض معركة استعداء «القوات» بالمطلق نظرا الى العلاقة السياسية الجيدة مع معراب، فيما صار مؤكدا ان ثلاثي «الحريري وجنبلاط وفرنجية « يحافظ على التوازنات السياسية ويرفض إقصاء جعجع على الرغم من الحذر المتبادل منه.
لا يشكل سمير جعجع خصما قويا للثلاثي ولا حليفا استراتيجيا وأساسيا، الا ان الحريري يرفض مخطط إقصائه على الرغم من أخطاء معراب بحقه، حيث يحتفظ الحريري بمشاعر سلبية لطريقة تعاطي «القوات» معه في حادثة المملكة السعودية، ولاحقا بعدم تسميته لرئاسة الحكومة، فيما ينأى وليد جنبلاط عن الدخول في مشاكل غيره، ويختار الوسطية مفضلا حلول التهدئة والوسطية في الجبهات المفتوحة، حيث لجنبلاط حسابات تتعلق بالبيئة الأمنة في الجبل ويتطلع لبقاء العلاقة مع حزب الله خارج التوترات.
بالمحصلة يعرف جنبلاط والحريري قواعد اللعبة جيدا ، وحفظها الاثنان عن ظهر قلب بالممارسة السياسية حيث يمنع تخطي الخطوط الحمراء، كما ان استدعاء جعجع مرتبط بتوازنات معينة ولن يتطور الى توقيف جعجع وتكرار مشهد الـ ١٩٩٤.