يتجنب رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع في اطلالاته الاعلامية، الخوض في تبعات تفاهم معراب الذي وقعّه مع رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل عام٢٠١٦، ومهد الطريق لوصول العماد ميشال عون إلى سدة الرئاسة الاولى، ولا يعيره أهمية في النقاش السياسي الدائر، بل ويتحاشى نبش أوراقه الصادمة، او إعادة التمعن، بشعاراته وعناوينه الرنانة، خشية تسعير الصخب السياسي والاعلامي على أبواب التحضير للانتخابات النيابية،وتجنب كل ما من شأنه، تسليط الأضواء مجددا في هذا الظرف الحساس، على الدور الأساس والفاعل لجعجع ومسؤوليته في وصول العماد عون لرئاسة الجمهورية.
يحاول رئيس حزب القوات اللبنانية جاهدا، التهرب من مسؤوليته المباشرة في تسهيل انتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية، وغسل يديه من تفاهم معراب، وما تسبب به، هذا التصرف ،من خراب ودمار على البلد كله ، وكأنه غير معني بتداعيات ما ترتب عليه من انقلاب على الواقع السياسي ،لا من قريب ولا من بعيد،بل ويتفنن لدى سؤاله عرضا أو قصدا، عن تاثير التفاهم على وصول عون لرئاسة الجمهورية، فيحاذر الخوض بهذا الموضوع والنقاش فيه، وانما يقاربه بسطحية،وعدم اكتراث، ويقلل من أهمية اتفاقه مع عون، ويأخذ محدثيه الى مواضيع ومسائل ثانوية، لتفادي الاحراج وانكشاف دوره ومسؤوليته المباشرة،بما يعانيه اللبنانيون حاليا.
وبدلا من ان يعترف بصراحة ،بخطئه الفادح،ويعتذر للبنانيين، عما ارتكبه بحق لبنان وبحقهم ،من ضرر بالغ, يحاول رئيس حزب القوات اللبنانية عن سابق تصور وتصميم، قلب الوقائع عكسيا، بتحميل خصومه التقليديين، وحليفه السابق الرئيس سعد الحريري تحديدا، مسؤولية انتخاب عون للرئاسة، مستدلا بالتسوية الرئاسية التي جرت بينهما، لانتخاب عون رئيسا وتولي الحريري رئاسة الحكومة، للتهرب من المساءلة والمسؤولية، امام اللبنانيين عموما، فيما يتناسى، أو يتجاهل انه خاض غمار الترشح لرئاسة الجمهورية، اكثر من مرة،مدعوما بتأييد الحريري وحلفائه، ولكنه لم يتمكن من الفوز بالرئاسة، لانكفاء الخصوم السياسيين عن تاييده، بينما يعرف القاصي والداني، انه رفض بشدة،ترشيح بديل عنه،من تحالف قوى ١٤ اذار، مثل النائب السابق بطرس حرب أو النائب الراحل روبير غانم، حتى لو كان هذا الطرح جاء من باب المناورة السياسية،ناهيك عن انه رفض ترشيح اي شخصية حيادية مقبولة من كل الاطراف،لانهاء الفراغ الرئاسي يومذاك.
ولكن انكار جعجع لمفاعيل تفاهم معراب السلبية على الوضع اللبناني المتردي من كل جوانبه، جراء تسهيله وصول عون للرئاسة، تدحضه الاوضاع الكارثية التي تعصف بلبنان واللبنانيين حاليا، وتؤكده الوقائع التي تدل بوضوح على انه، لولا توقيع التفاهم المذكور،لما اتيحت الفرصة امام الاخير لتولي رئاسة الجمهورية .
هذا التفاهم الذي وقعه جعجع مع عون، الحليف المسيحي الابرز لحزب الله، قدمه رئيس حزب القوات اللبنانية، بأبهى صوره الواعدة، واحتفى به بالطبل والزمر، وقدمه ظاهريا على انه ،لانهاء الانقسام بين المسيحيين وطي صفحة الخلاف التاريخي مع عون، وما الى هنالك من مزايا مدغدغة لمشاعر المسيحيين،ولكنه واقعيا،كان ابعد من ذلك،ويخفي وراءه اكثر من هدف،اوله، القيام بقطع الطريق على وصول خصمه السياسي، رئيس تيار المردة سليمان فرنجية للرئاسة، بعدما تبنى الحريري ترشيحه لرئاسة الجمهورية، لانهاء الفراغ الرئاسي الذي طال لاكثر من عامين، وبات يهدد مستقبل لبنان ومصيره ،وثانيها، الاتفاق ضمنيا مع عون للتناوب على الرئاسة بينهما واقتسام المراكز والوظائف المسيحية بالدولة.
حقق رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، هدفه الاول من اتفاق معراب، بافشال خطوة ترشيح فرنجية للرئاسة، وثانيا، بوصول عون للرئاسة، بينما اخفق بتحقيق الهدف الثالث،بالتناوب على الرئاسة وتقاسم توزيع الوظائف والمراكز المسيحية والمغانم، بعدما دب الخلاف مع التيار الوطني الحر، بالتقاتل على الحصص الوزارية مبكرا، في اول اختبار بينهما لتنفيذ مضمون التفاهم، فيما أمضى الطرفان معظم مشاركتهما سويا،بحكومة العهد الاولى والثانية، بمسلسل لاينتهي من الخلافات حول كل مايطرح على بساط البحث من مسائل وقضايا، في حين كان يتكشف تدريجا، كل ما خفي من تفاهم معراب امام الرأي العام، بينما لم يعد مهما في حسابات التيار كل مايكشف ويقال، بعدما اخذ كل ، ما يريده من الاتفاق بوصول العماد ميشال عون للرئاسة ولم يعد مهتما بباقي التفاصيل.
يريد جعجع التنصل من الخطأ التاريخي ، الذي اوصل غريمه اللدود العماد ميشال عون عن سابق تصور وتصميم ، للرئاسة الاولى، وهو يعلم علم اليقين،موقعه وتياره السياسي، عند حزب الله ونظام الاسد ، والزم اللبنانيين بتبعاته وبمفاعيله السياسية والاقتصادية، واضراره ومخاطره على وحدة ومستقبل لبنان كله، تهربا من ملامته ومكاشفته بسوء سياساته، ولكي لا تتسبب تداعياته الماساوية، بتقلب مزاج الناخب المسيحي، وتحجب صوته عن تأييد مرشحي القوات اللبنانية.
ولكن برغم كل صخب وغبار المواقف والاطلالات المنسقة، والادعاء بأنه رأس حربة المشروع السيادي في لبنان حاليا ، لن تنفع محاولات جعجع في تصعيد الاشتباك السياسي مع العهد وفريقه السياسي وحلفائه، او حتى ركوب موجة المتظاهرين والمنتفضين ضد رئيس الجمهورية ميشال عون وسياساته، بتبرئة نفسه، وباخفاء مسؤوليته المباشرة، عن تسهيل وصول عون للرئاسة، في اطار تصفية الحسابات والنكايات السياسية،مع الحلفاء قبل الخصوم، وما تسبب به خياره المسموم هذا، من ضرر للخط السيادي وللمسار الوطني العام وما الحقه من ضرر فادح وخراب غير منظور بحق اللبنانيين، ولاسيما منهم الرافضين لهيمنة وتسلط حزب الله على لبنان وقراره الحر، هكذا وكأن شيئا لم يكن.