Site icon IMLebanon

التفاوض المقبل: جعجع ممثّل الخليج والسيّد ممثّل إيران (٢)  

 

تأجيل الانتخابات النيابية تحت أيّ حجّة دستورية أو أيّ فذلكة سياسية يدعمها جبران باسيل، أو العودة مرّة أخرى إلى الدائرة الـ 16(المخصصة للمغتربين والتي تمكنهم من اختيار ستة نواب يمثلونهم حسب القارات التي يقيمون فيها) يُعتبران قفزاً في فراغ أكثر خطورة من الفراغات الحالية.

 

أيّ محاولة لرتق الثقب الكبير، الذي أدّت إليه حالة تجميد الرئيس الحريري لنشاطه السياسي ونشاط تيار المستقبل، هي مشروع يحتمل الفشل أكثر من النجاح. بلغة السينما الفرنسية، أيّ محاولة لاختراع أو صناعة بديل أو دوبلير للسُنّيّة السياسية في لبنان الآن هي مشروع لن يأتي بأيّ جمهور حقيقي.

 

ما يزيد التعقيد السياسي للوضع اللبناني، الذي يكاد يعجز بسبب التدخّلات والولاءات الإقليمية والدولية العابرة لمصلحة الدولة الوطنية اللبنانية، هو دخول رجب طيب أردوغان بشكل صريح في اللعبة اللبنانية.

 

زيارة الرئيس نجيب ميقاتي الناجحة، وشكل الاستقبال الذي حظي به الوفد اللبناني، يُنبئان برغبة أنقرة في لعب دور تركي في السياسة اللبنانية.

 

لماذا الاهتمام التركي؟

 

أوّلاً: إيجاد قوّة في لبنان جار سوريا التي تسعى أنقرة لجعلها كمنصة “تفعيل” للوجود العسكري هناك.

 

ثانياً: دخول الشركات التركيّة على خط استخراج الغاز قبالة الساحلين اللبناني والسوري.

 

ثالثاً: استكمال الوجود الاستراتيجي التركي في سواحل ليبيا، سوريا، لبنان، غزّة وقبرص التركية.

 

رابعاً: العودة التاريخية العثمانية إلى الوجود في شمال لبنان، وبالذات في طرابلس، حيث كان الوجود السابق خجولاً مستتراً تحت ستار العمل الثقافي والاجتماعي.

 

ويُعتقد هنا أنّ علاقة مجموعة بهاء الحريري مع تركيا سياسيّاً سوف تكون أحد عناصر تحفيز الدور التركي المقبل.

 

إنّ محاولة “تلزيم” هجين سياسي جديد لإدارة صراعات المنطقة هو مشروع مصطنع محكوم عليه سلفاً بالفشل، وكأنّنا في مباراة كرة قدم قرّر فيها المدير الفنّي للفريق المأزوم في المباراة تغيير لاعب أساسي بلاعب قديم بتقدير أنّ الأخير هو القادر على تنفيذ خطة المدرّب بشكل مثالي.

 

العائق الأساسي أمام تنفيذ هذا التصوّر أنّه يمثّل قراءة مرتبكة لسير المباراة، وفيه عدم فهم لقدرات اللاعبين وأسلوب وخطة الفريق الخصم. إنّها مشكلة خطأ جسيم في التشخيص.

 

التشخيص السياسي الدقيق لحال التوازنات السياسية للطوائف في لبنان، على الأقلّ كما أراه، هو على النحو التالي:

 

1- صراع مسيحي ماروني-ماروني بين عون وباسيل والتيار من ناحية، وسمير جعجع والقوات من ناحية أخرى.

 

2- صراع مكتوم بين طرفيْ الثنائية الشيعية ما زال تحت السيطرة بسبب استمرار وجود الرئيس نبيه بري.

 

3- تهميش حالي لأدوار الدروز، والأرثوذكس والأرمن والمجتمع المدني.

 

4- تحفيز الجماعة الإسلامية المتأثّرين بفكر داعش، والأحباش ، على الاستيلاء على المراكز الشعبيّة التي خلت من حضور سنّيّ سياسيّ بعد تجميد نشاط تيار المستقبل وأنصاره في الشارع اللبناني.

 

5- صعود قويّ لحزب الله وأنصاره من طهران ومن النظام الأمني السوري يزداد يوميّاً وفق ترمومتر ما يحدث في غرفة المفاوضات النووية في فيينا.

 

6- وجود تركيبة جديدة يتمّ إعدادها في طرابلس لجعل الشمال وليس بيروت مركز السُنّة، وجعل أنقرة وليس الرياض الداعم الرئيسي للسُنّيّة السياسية، وتفاهم بين نواب طرابلس وبهاء الحريري وليس المستقبل القوّة الفاعلة.

 

7- صراع واضح بين “قوى وطنية” في المجتمع المدني بلا امتدادات خارجية تحاول إثبات وجودها في ظلّ الانتخابات المقبلة، إن تمّت، مع تيارات أخرى تمّ اختراقها بشكل واضح من سفارات غربية.

 

8- لعبة سياسية تجري محاولة لتمريرها يقودها الصهر جبران باسيل بضوء أصفر من حزب الله من أجل خلق وضع سياسي ودستوري يمنع إجراء الانتخابات النيابية في موعدها، الأمر الذي يكرّس استمرار الوضع الحالي لكلّ من القوى السياسية أو استمرار حكم الرئيس عون وأنصاره.

 

هذه الوصفة هي حكماً وبالضرورة وصفة مثالية للتفجير والصراعات والفشل التي قد تنتهي إلى فوضى تؤدّي إمّا إلى مجهول أو إلى فدرالية برعاية دولية.

 

لا يمكن للبنان أن يُحكَم بلا توافق. ولا يمكن للتوافق إلا أن يكون بمشاركة الجميع.

لا تقبل المشاركة وجود قوى متغلّبة بقوة سلاح غير شرعي ومستقوية بقوى خارجية تؤمن بدولة الوليّ الفقيه بديلاً لمشروع الدولة الوطنية المدنية العربية التي نصّت عليها بنود وروح دستور 1943 واتفاق الطائف وخطاب الإرشاد الرسولي الذي نتج عن اجتماع “السينودس السادس” للفاتيكان.

 

باختصار لن تنجح طهران كبديل للعرب، ولن تنجح أنقرة بديلاً للرياض، ولن تنجح قطاعات من الموارنة والشيعة في الاستيلاء على الوجود السنّيّ، ولن ينجح السُنّة سياسيّاً في زمن الارتباك، ولن ينجح بهاء الحريري بديلاً “لشقيقه” سعد.