عندما وصف رئيس المجلس السياسي في «حزب الله» السيد ابراهيم امين السيد الانتخابات النيابية المقبلة بأنّها حرب تموز سياسية، قوبل بردود حادّة من قِبل عدد من الخصوم.. ولكن، ماذا كان يقصد الحزب بهذا التوصيف، وما هي دلالاته؟
يبدو «حزب الله» واثقاً في أنّ الكيان الاسرائيلي ليس في وارد شن عدوان عسكري شامل على لبنان في هذه المرحلة، وحتى عندما اخترقت المسيّرة «حسان» كبرياء الاحتلال، وحلّقت فوق الجليل بعمق 70 كلم، لم يساور الحزب قلق حيال احتمال ان يكون ردّ الفعل قاسياً، الى درجة انّه عندما استفسر بعض الناشطين في الحزب عمّا إذا كان هناك من داعٍ لاستنفار كبير، أتى الردّ بأنّ لا حاجة لذلك، لأنّ الاسرائيلي عاجز عن شن هجوم واسع.
من هنا، يتصرف الحزب على أساس انّ الأميركي والاسرائيلي اختارا ان تكون الحرب السياسية والاقتصادية هي البديل عن العجز العسكري، وصولاً إلى محاولة استثمار الانتخابات المقبلة لإضعاف الحزب ومحاصرته.
لدى الحزب اقتناع بأنّ واشنطن فقدت الكثير من امتيازاتها في لبنان، وإن يكن نفوذها لا يزال موجوداً في بعض المجالات، وهي لم تتقبّل، في رأيه، أن تكون الأغلبية النيابية معه ورئاسة الجمهورية ورئاسة المجلس مع حليفين له.
ولأنّ الأميركي لم تعد لديه خيارات كثيرة بفعل القيود التي تكبّل العمل العسكري، وتماسك «حزب الله» وبيئته في مواجهة الضغوط الاقتصادية، فإنّ الحزب يرجح أنّ لم يعد من خيار لدى واشنطن حالياً سوى الرهان على الانتخابات، لتغيير المعادلة وقلب الأكثرية النيابية.
ولكن، حتى لو نجح خصوم الحزب فرضاً في انتزاع الأكثرية منه، فإنّ الانطباع السائد لديه هو انّ الأميركي لا يملك اي تصور عمّا سيفعله بعد الانتخابات، وكيف يمكن توظيف الأكثرية الجديدة لتعديل موازين القوى، خصوصاً انّه سبق أن كانت الأكثرية في حوزة حلفائه ولم تنفعه او تنفعهم في شيء على المستوى الاستراتيجي.
ومع ذلك، فإنّ هدف الحزب الأساسي يبقى منع خصومه في الانتخابات من نيل الأكثرية الصافية، ليس لأنّها ستشكّل تهديداً له وإنما من أجل تفادي «صداع» داخلي لا طائل منه.
يعرف الحزب انّ تجربته مع أكثريته الحالية لم تكن ناجحة على المستوى الداخلي، ولم تقدّم نموذجاً إيجابياً في السلطة، بل هي أتعبته وأرهقته بسبب المناكفات بين مكوناتها، ولذلك فهو عازم في حال استعادتها، على الإستفادة من دروس التجربة والتعامل مع حلفائه على أسس مختلفة هذه المرة. وما يمكن أن يساعده في ذلك، هو انّ بعض المواد الخلافية بين الحلفاء صارت مستهلكة و»مستوية» ولم يعد من الصعب تجاوزها.
وعلى قاعدة تحسين شروط المواجهة الانتخابية، تبلّغ الحزب من رئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل، استعداداً مبدئياً للإنفتاح على رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية وحركة «امل». لكنه اعتبر في الوقت نفسه، انّ المعيار الذي يحكم حصول التعاون من عدمه في الاستحقاق المقبل هو الحساب الانتخابي، وما إذا كانت المصلحة تتطلب انخراط التيار في تفاهمات اتتخابية مع فرنجية و»أمل» في بعض الدوائر، ام تستدعي ان يتوزعوا على لوائح.
واستطاع الحزب تسوية جزء كبير من الخلاف المستجد بينه وبين التيار، فيما يؤكّد العارفون انّ العلاقة مع باسيل استعادت الكثير من حيويتها أخيراً، وبالتالي سيكون الحزب مستعداً لدعم التيار انتخابياً حيث يحتاج اليه. انما هناك بعض العتب من الحزب على إعلام التيار، الذي لا يبدو مواكباً بالمقدار الكافي للإيجابية المتجددة على مستوى العلاقة السياسية بين الجانبين.
ويتوقع العارفون ان يلجأ الحزب إلى تجاهل «القوات اللبنانية» في خطابه السياسي خلال المرحلة المقبلة، لتفادي إعطاء رئيسها سمير جعجع أي مادة مجانية يمكن أن يستفيد منها لشدّ العصب الانتخابي والطائفي، خصوصاً انّ الحزب قال كل ما يريد قوله عن «القوات» وجعجع بعد أحداث الطيونة، والاستمرار في الخطاب ذاته لم يعد مفيداً الآن، بل قد يكون له مفعول عكسي.
إلى جانب ذلك، يؤكّد المطلعون انّ الحزب سيحرص، كلما اقتضى الأمر، على طمأنة المسيحيين عموماً إلى «تمسّكه بالعيش المشترك والوحدة الداخلية وتعلّقه بالهوية الوطنية التي قدّم من أجلها تضحيات كبيرة سواء في مواجهة الاحتلال الاسرائيلي او الإرهاب التكفيري».
وضمن هذا السياق، يُنقل عن قيادي كبير في الحزب، تشديده على «اننا مقتنعون بأنّ لبنان وطن نهائي»، مشيراً الى انّ أفراد الحزب هم وطنيون بامتياز ويفتخرون بانتمائهم اللبناني، «ومن يتهمنا بأننا جماعة إيران نردّ عليه: نحن جماعة لبنان، وتضحياتنا تثبت ذلك، بينما كثيرون ممن يعطوننا دروساً بالوطنية يتبعون للخارج».
ويؤكّد الحزب، انّ طموحه هو بناء الدولة الحديثة المرتكزة على القانون والمواطنة. الّا انّه يعتبر انّ الممر الإلزامي نحو تأسيس تلك الدولة وتحقيق التعافي هو امتلاك القرار الاقتصادي والسياسي المستقل، الذي قد يختار لبنان بموجبه ان يتعاون مع الغرب حيناً ومع الشرق حيناً آخر، تبعاً لما تقتضيه المصالح الوطنية، «ومن دون هذا القرار المستقل لا يمكن تغيير الواقع المشكو منه».
وانطلاقاً من اقتناع الحزب بأنّ إحدى وسائل التحريض الخارجي والداخلي عليه تكمن في تحميله مسؤولية الانهيار لتأليب الناس عليه، فهو يستعد لهجوم مضاد ومنظّم، على قاعدة «تظهير مسؤولية أميركا وحلفائها عن الانهيار بالأرقام والوقائع، وتشريح السياسات المالية والاقتصادية ومكامن الفساد التي نخرت في البلد عبر عقود وبواسطة منظومة كانت في جزء اساسي منها تحظى برعاية الولايات المتحدة».