IMLebanon

جعجع الجيولوجي

 

العصر الجيولوجي حسب علم الجغرافيا، يخلـقُ إضطرابات عنيفة في الطبقات الأرضية، فترتفع جبالٌ وتنخفض جبال، ويُحدثُ تغييـراً في معالم سطح الأرض.

وكأنّنـا نحن اليوم في عهـدٍ جيولوجي إنقلبتْ فيه الطبقات الشرعية والسياسية في اهتزازاتٍ عنيفـة، فانخفَضَتْ ما كانت جبالاً في معالـم سطح السلطة.

في مقابلةٍ تلفزيونية للنائب جبران باسيل مع الصحافي ماريو عبود 10 نيسان الفائت سمعتُ النائب باسيل يقول: «إنّ عهـد الرئيس ميشال عـون فشَّلـهُ سمير جعجع، ولما راح المحاوِرُ يستزيدُ منـه توضيحاً، كـرّر النائب باسيل القول مـرّتين، ما يـدلُّ على أنّ اتّهـام سمير جعجع بهذا الحـدَث الجلَـل لم يكـن نتيجةَ شرود ذهني أوْ زلَّـةَ لسان.

أمام هذا الهـول الذي أصاب الوطن وقد تأجّـج بالكوارث، فإنّ رهبـةَ المأساة تؤدّي إلى الصدمة، والصدمة تؤدّي إلى الإرتباك، ولا بـدّ لأصحاب المسؤولية من أنْ يبدّدوا خطورة التبعات في اتجاهها العكسي.

هذا الرئيس القـوي الذي تساقطت النجوم على كتفيـه، المدعومُ من أكبر حـزب مسيحي قـوّي، وأكبر حـزب شيعي قـوّي، وأكبر كتلة برلمانية وأكبر كتلة وزارية ، إذا كان سمير جعجع يمتلك حقـاً هذه القـوّة السحرية الخارقة، متفوِّقاً على كـلِّ هذه المجموعات الداعمة للرئيس، فهو إذ ذاك جديرٌ بـأنْ يُنصَّـب ملكاً متوّجاً على هذه المملكة المسحورة وأشباحها.

وإذا كان في استطاعة سمير جعجع أنْ يفشّل عهـد الرئيس ميشال عـون، فهو إذاً يتمتّع بتفوّق أقـوى لتفشيل عهـدٍ برئاسة جبران باسيل.

إذا شئنـا أن نستعرض العهود الرئاسية في شتّـى مراحلها، يتبيّـن أنَّ طبيعة الشخصية المعنويّـة هي التي تحصّـن الرئيس، وليس هناك مـنْ يستطيع أن يفشِّل حكماً إلاّ إذا فشَّل الحكمُ نفسه.

والرئيس سواءٌ كان متورِّطاً أوْ منزّهـاً فلا يمكن أن يكون رئيساً وغير مسؤول، وهو إذا كان عاجزاً أمام شـدَّة الفواجع فلا يستطيع أنْ يتبـرّأَ من المسؤولية إلاّ بالتنحّـي.

الرئيس جمال عبـد الناصر – ومع فوارق التشبيه – بعد هزيمة حـرب 1967، واجـهَ الشعب بالحقائق وأعلن عن تحمُّـلهِ المسؤولية كاملةً، ولّمـا لـوَّح بالتنحّـي إلتـفّ حـوله الشعب في معركة الإنتصار على النكْسة.

هناك شاهـدٌ دولي ورئيسٌ فرنسي إسمه إيمانويل ماكرون، رافـقَ الأحداث اللبنانية في شتَّـى مآسيها ومراحل تفاقمها، وفي مؤتمـر صحافي (27 إيلول 2020) قال: «الشعب اللبناني تعرّض للخنْق من قِبَـلِ أصحاب القرار، وإنّـي أحمّل المسؤولية لكلّ القادة اللبنانيين وعلى رأسهم الرئيس ميشال عـون».

طريق السياسة محفوفٌ أبـداً بالمغامرة والمخاطر، والقادة التاريخيون الكبار طالما واجهوا انتصارات وانكسارات، فـإنْ كبـروا بالإنتصار فما تكابروا بالإنكسار.

هكذا نابوليون حين نُفـيَ إلى جزيرة القديسة هيلانه قال: «لا أحد مسؤولٌ عن هزيمتي لقد كنتُ أنا أعظـمَ عـدوٍّ لنفسي»…

نعم… الإعتراف بالذنب فضيلة.