Site icon IMLebanon

جذرية جعجع ودروس الماضي

 

عبّر رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في موقفه امس الاول، عن خلاصة الاستفادة من تجربة طويلة، لم تبدأ بانتخاب الرئيس ميشال عون في العام 2016، بل باغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تلاه من محاولات للتعايش مع مشروع «حزب الله»، الذي استطاع منذ 14 شباط 2005 الى اليوم استهلاك كل الخيارات التي قدمت له، بحيث أخذ الجميع الى البحر وردهم ظمأى، وما تجارب الاتفاق الرباعي واتفاق الدوحة وانتخاب عون الا دلائل لا تقبل الشك، قادت الى عقم ومراوحة واستنزاف لم ينتج الا الانهيار.

 

الأهم في كلام جعجع ليس إظهار اهمية توافق المعارضة على اسم يجنّبها خطر إعادة التجديد لعون آخر، بل إظهار خطورة الاستسلام امام رئيس يدير استمرار الأزمة ويدار من «حزب الله»، وفي هذا كان جعجع حاسماً برفضه ان يلدغ من الجحر مرتين، وهو الذي لدغ من خيار موافقته على انتخاب عون، حتى الثمالة.

 

كي لا يلدغ الغافلون عن خطورة التجديد لعون الثاني، بات على القوى التي تعمل خارج تأثير «حزب الله» أن توحد رؤيتها الرئاسية، تجاوزاً لأي سلوك مراهق وقاصر على استشراف خطر هذا التجديد الذي سيرمي لبنان لست سنوات جديدة، في مأساة مضاعفة، وهذا ما يعمل له «حزب الله»، الذي سينجح في النهاية وربما بشكل مفاجئ بإجبار حليفيه على تقديم اسم واحد كي يكون مرشح استمرار عهد عون، وهذا ما يرتب على الآخرين مسؤولية مضاعفة لا يمكن أن تكرر ما جرى في الاستشارات النيابية، تحت طائلة الدخول في سجن السنوات الست المقبلة.

 

بدا الدكتور جعجع في مؤتمره الصحافي كأنه يقرع جرس الخطر. أن يتحدث عن رئيس توافقي للمعارضة فهذا يعني أن مواصفات الرئيس اهم من شخصه أياً كان الاسم الذي سيتفق عليه، وتلك خطوة متقدمة للوصول مع باقي اطياف المعارضة الى التفاهم على اسم موحد، يجنّب هذه المعارضة كأس الذهاب الى خيار مقاطعة الجلسة الانتخابية، والتمثل بـ»حزب الله»، وبالتالي يجنبها أن تقف في مواجهة مع الداخل والخارج الذي لن يقبل بتعطيل انتخابات الرئاسة اياً كانت الاسباب، فالتاريخ الحديث لا يزال ينبئ بكارثة التعطيل الذي مارسته القوى المسيحية في العام 1988 لمنع انتخاب الرئيس سليمان فرنجية، ذاك التعطيل الذي أنتج حكومة العماد ميشال عون، التي انتجت بدورها ما انتجته من فوضى.

 

وبدا جعجع ايضاً في موقع الحث على بدء التشاور الفعلي بين اطياف المعارضة من خلال الدعوة الى تشكيل لجنة تنسيق بين هذه القوى، وهي فكرة طرحت بعد الانتخابات النيابية مباشرة ولم تر النور، وتتولى اليوم شخصيتان محايدتان القيام باتصالات مع جميع هذه القوى، وحصلت لقاءات تمهيدية لم تصل بعد الى حد طرح الأسماء المقبولة التي يمكن ان يعتمد أحدها كرئيس توافقي بين قوى المعارضة، لكن هذه الاتصالات تنبئ بأن هاجس فرض رئيس حليف لـ»حزب الله» بات حقيقة يخشاها الجميع.

 

أطلق جعجع مواقف جذرية لا تحتمل انصاف الحلول ولا أنصاف التسويات. فالمواجهة ليست بنظره معركة استحواذ على السلطة، بل محاولة إنقاذية لقطع الطريق على تجديد سيطرة «حزب الله» على بعبدا وساكنها، هذه السيطرة التي أعطت في السنوات الست من عهد عون، أمثولة وعبراً سيكتب عنها التاريخ بأحرف سود.