سمير جعجع هو من الوجوه السياسية الطائفية الواعدة بدون شك، وهو في الوقت ذاته عانى من السجن 11 سنة لاتهامه دون ادلة بانفجار كنيسة في الذوق.
ليس هنالك من زعيم سياسي لبناني واجه الظلم قدر ما واجهه سمير جعجع وبقي على معتقداته واستعاد نشاطه وحقق في الانتخابات الاخيرة افضل واكبر النتائج للقوات اللبنانية الامر الذي عزز موقعه الطائفي في بلد ارسي اساسًا على المنطلقات الطائفية منذ عام 1920.
خطاب سمير جعجع في ذكرى تكريم شهداء القوات اللبنانية في معراب وسط الصنوبر والصخور كان له تأثير معنوي على آلاف المشاركين، وهو تكلم باستفاضة عن مشاكل لبنان وصنف عهد الرئيس عون بانه كان اسوأ عهد على لبنان ومؤسساته وممارسات الحفظ على الحريات.
بالتأكيد كان الخطاب طويلاً وكان سمير جعجع يلقي الخطاب دون قراءة لاي نص وذلك لانه كان يلخص مواقف القوات من سياسات الحكم على مدى السنوات المنقضية وبالتالي لم يتطرق الى بحث مقومات اي برنامج انمائي استعادي لقدرة لبنان على الاندماج في التطورات العالمية في عهد المعلوماتية والذكاء الاصطناعي.
قبل الانتخابات اعتمدت قيادة الحزب على لوحات اعلانية خلفيتها العلم اللبناني والكلام الوارد على كل اليافطات وعددها بالمئات كان يشير الى فشل برامج الكهرباء، وتردي خدمات الهاتف، ومخاطر الطرقات والحفر، وتوسع انتشار القمامة دون معالجة، وتجميد عمل القضاة، وجمود بحث مستقبل اللاجئين السوريين الخ.
سمير جعجع لم يبين مخطط القوات لحفظ صحة اللبنانيين الا بالخطوط العريضة والعديد من الاسئلة التي طرحتها اعلانات مرشحي القوات تبقى عالقة، والامر الاكيد ان الحلول مهما كانت جدية لن تؤدي الى نتائج ايجابية باهرة الا اذا تنبهنا الى ان اقرار مشروع ضبط التحويلات من والى لبنان مع اجراءات التحقق سيحد من اسباب توافر الاموال.
نذكر السياسيين الحاليين بان فترات ازدهار لبنان بالفعل كانت بعد فصل العملة اللبنانية عن العملة السورية وربط قيمة العملة اللبنانية بالذهب، ومن ثم وبعد اقرار قانون الاصلاح الزراعي في مصر بعد ثورة الضباط الاحرار، ادى الى فقدان عائلات
اقطاعية من املاك واسعة وفقدان القدرة على تسيير شؤونها فواجهت مصر انكماشًا دفع قادتها الى توسيع رقعة استثماراتهم في بلد كلبنان، سواء في مجال الصحافة والعلاقات العامة او المجال الصناعي، وصناعة الكابلات برهان على ذلك.
المثال الذي وفرته القيادة المصرية لمعالجة الشأن الاقتصادي انتقل مع قادتها الى سوريا عند انجاز اتفاق الوحدة ما بين البلدين، وصدور قانون مصادرة الاراضي الزراعية وتوسيع دور القطاع العام، والسيطرة على عمليات المصارف.
خلال تلك الفترة شهد لبنان هجرة العديد من رجال الاعمال السوريين ومساهمتهم في انشاء المصارف في لبنان ويشار هنا الى بنك لبنان والمهجر، وبنك الاعتماد اللبناني الذي اسسه آل عبجي وحقق نجاحًا ملحوظًا، واخيرًا بنك بيمو الذي شمل بعض عمليات وحسابات زبائن من زمن الاعتماد اللبناني، الذي بعد تسويقه لروجيه تمرز من قبل آل العبجي اصبح يدار من قبل مصرفي مقتدر هو الدكتور جوزف طربيه الذي انعش البنك وادخل اليه مساهمة سعودية هامة.
السوريون انعشوا الاقتصاد اللبناني في وقت كان رئيس لبنان رجل انفتاح وجاذبية لافتة كان كميل شمعون، وخلال عهده انجز خط التايبلاين لنقل النفط من السعودية عبر الاردن وسوريا الى جنوب لبنان، وفترة التطور اللبناني السريع تجمدت لخلافات سياسية ما بين الحكم اللبناني وتحكم جمال عبد الناصر بالرئاسة السورية ومع ذلك استمر دور رجال الاعمال السوريين في لبنان في التوسع وبدأ يشمل نشاطات الابنية للبيع بالتقسيط وبعض المصانع سواء للمواد الغذائية او غيرها.
انطفاء الحماسة السورية للعمل من لبنان عوض عنه هجرة رجال اعمال عراقيين الى لبنان فترة عبد الكريم قاسم، التي انهت عهد الملك وحكومته وكانت حوادث دموية ابعدت رجال الاعمال عن العراق فهربوا الى لبنان وساهموا الى حد بعيد في التعويض عن انطفاء حرارة اندفاع السوريين.
عقد الستينات شهد المواجهات العنيفة بين فصائل القوات الفلسطينية والقوات اللبنانية التي اشرف على تجهيزها وتنظيمها بشير الجميل، الذي انتخب رئيسًا للبنان عام 1982 وقضى اغتيالاً بعد بضعة ايام على انتخابه.
حقبة السيطرة السورية على لبنان التي امتدت من 1976 وحتى 2005 لم تشهد تطورات ايجابية الا في سنوات رئاسة رفيق الحريري لمجلس الوزراء واعادة اعمار وسط بيروت واستطاعة الحريري التعايش مع السوريين المسيطرين على لبنان، وارسى علاقات بناءة مع الرئيس حافظ الاسد ونائب الرئيس عبد الحليم خدام.
بعد اتفاق القاهرة خلال شهر ايلول 1969 مع الفلسطينيين والسماح لهم بالعمل الفدائي من منطقة العرقوب فقد لبنان السيطرة على الشأن العام كليًا حتى اوائل التسعينات ولم نسترد السيطرة على الشأن العام بعد ذلك.
اليوم الحكم السوري غير متماسك وسوريا لم تعد موحدة كالسابق والفايننشال تايمز نشرت مقالاً على صفحة كاملة يبين ان شمال غرب سوريا اصبح في يد تركيا التي جنست خمسة ملايين سوري، وشرق سوريا تحت سيطرة الاميركيين والاكراد والايرانيين لهم وجود مؤثر الى درجة دفعت الرئيس السوري الى الطلب من الايرانيين عدم الرد على الاعتداءات الاسرائيلية وبالتالي ليس لسوريا دور ملحوظ في السيطرة على الشأن اللبناني.
دكتور جعجع يجب الالتفات الى تقزيم مؤسسات الدولة وتوابعها واستعادة القدرة على استقطاب مستثمرين ومشغلين لمعامل الكهرباء، ومرافق تكرير النفط، وتنظيم حركة الطيران بين مطارين على الاقل وتطوير مرفأ طرابلس. بدون هذه النتيجة يكون الكلام قد زال من ذهن العالم.