Site icon IMLebanon

جعجع يُطلق “المعركة” ضدّ “الحزب” ويحشر باسيل والمعارضة: المُستهدَف ليس “النظام”!

 

لم تكن مواقف رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع في مقابلته التلفزيونية الأخيرة، تقليدية أو «شعبوية». ولا تأتي مواقفه عادةً في توقيتٍ غير محسوب. في كلمته خلال قداس «شهداء المقاومة اللبنانية» في أيلول 2020، ردّ جعجع على من يطرح عقداً اجتماعياً جديداً أو مُؤتمراً تأسيسيّاً، وقال: «أهلاً وسهلاً، لكن فليعلموا أَنّ محوره الأَساسيّ يكون اللامركزية الموسّعة». لم يحدّد حينها، إذا كان يقصد اللامركزية الإدارية أو السياسية أي الفدرالية. ترك الاحتمال مفتوحاً للافتراض، ليكسر كلّ «التابوهات»، موجهاً رسالة واضحة، بأنّنا «لسنا خائفين»، ومقابل كلّ طرح هناك طرح مقابل. الآن، يوجّه جعجع الى «حزب الله» الرسالة نفسها من الباب الرئاسي: «لسنا خائفين ولا «تابوهات»، إذ «في حال تمكّن «حزب الله» من الإتيان برئيس بالشكل الذي يريده فعندها يجب إعادة النظر في كلّ التركيبة اللبنانيّة… فإمّا رئيس فعلي ينقذ لبنان أو كلّ الخيارات متاحة».

 

في التوقيت، يرتبط موقف جعجع باللحظة الرئاسية، فكلامه هذا لم يأت قبل الشغور الرئاسي أو ضمن المهلة الدستورية لانتخاب رئيس للجمهورية، بل بعد شهرين ونصف الشهر على الفراغ. كان واضحاً مع «الحزب». تجربة إيصال العماد ميشال عون الى رئاسة الجمهورية بعد فراغ لسنتين ونصف السنة، من غير المسموح أن تتكرّر لفرض انتخاب رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية أو أي رئيس لـ»حزب الله». فسياسة «الحزب» بتفريغ المواقع الدستورية والرهان على عامل الوقت بغية تطويع الخصوم، الذين سيرضخون في نهاية المطاف، لأنّ الشغور سيؤدّي الى الفوضى وعدم الاستقرار، والتي كان يأخذها البعض في الاعتبار بين عامي 2005 و2016، لم تعد تصح ولا يمكن أن تستمرّ في العام 2023، فالانهيار حلّ ولم يتبقَّ لا دولة ولا مؤسسات ولا استقرار مالي والناس يهاجرون، وبالتالي لم يعد هناك من مبرّرات للرضوخ لهذا الابتزاز.

 

المواجهة التي أطلقها جعجع في وجه «الحزب» سياسية، وتستهدف أولاً عدم الرضوخ للشغور المفتوح، وثانياً عدم القبول بالتهديد أو الترغيب أو «التسلبط» للذهاب الى «ولاية ممانعة جديدة». فما كان «يمشي» في العام 2008 أو 2014 أو 2016 لم يعد البلد يتحمّله في العام 2023 في ظلّ أزمة وعزلة وهجرة. أمّا أسلحة المواجهة والبدائل فلم يكشف جعجع عنها، وهو على عكس باسيل لا يطلق معركة الدفاع عن المواقع المسيحية أو استعادتها، بل يعتبر أنّ المواقع الدستورية كلّها مستهدفة وليس المسيحية منها فقط، بل المُستهدَف من «الحزب» هو كلّ موقع يريد أن يمارس دوره وصلاحياته ضمن إطارها. لذلك إنّ المعركة التي أطلقها جعجع تستهدف توسيع رقعة المواقع غير الخاضعة لمحور الممانعة، ولتوسيع هذه المساحات يجب توسيع بيئة حاضنة شعبية وسياسية لمساحة الدولة. وما يطرحه جعجع ليس «معركة فردية»، بحسب ما توضح مصادر «القوات»، بل هو مشروع وطني مع المعارضة بغية كفّ يد «حزب الله» عن المؤسسات الدستورية. وهذا يشكّل نقطة تقاطع مع كلّ مكونات المعارضة وسيكون محط نقاش وتواصل معها، لأنّ الجميع يتحمّل هذه المسؤولية ومعنيّ بإيجاد حلول لإخراج البلد من هذا الواقع المدمّر.

 

البعض ذهب في تحليلاته لموقف جعجع الى حدّ اتهامه بالدعوة إلى «التقسيم» أو تغيير النظام. وأتى الرد الأول من حلفاء «القوات» على جعجع، من رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط، الذي سأل في مقابلة صحافية أمس: «هل هذا وقت مناسب ليخوض جعجع في مسألة تعديل التركيبة بينما البلد ينهار؟». واعتبر أنّ «المطلوب استكمال تطبيق «اتفاق الطائف» قبل أن يدعو جعجع أو غيره الى أي طرح من هذا النوع». إلّا أنّ «القوات» تعتبر أنّ «المشكلة الأساسية ليست في النظام بل في من يعيق هذا النظام، فلا جدوى من تغيير النظام أو تعديله في ظلّ وجود السلاح، إذ إنّ المشكلة في الفريق السياسي الذي يعطّل النظام الدستوري ويمنع قيام دولة فعلية في لبنان، لذلك يجب كف يد هذا الفريق عن المؤسسات الدولتية». وترجمةً لموقف رئيسها، إنّ «القوات» في صدد درس مبادرات وأفكار مع بقية مكونات المعارضة، ولن تقف مكتوفة الأيدي أمام التعطيل المتمادي لمؤسسات الدولة، وهي أمام درس خيارات لممارسة الضغوط المطلوبة للدفع لإنجاز الاستحقاق الرئاسي، ولن تترك مبادرة التعطيل في يد الفريق الآخر، بل تسعى الى كسرها لإعادة انتظام العمل المؤسساتي بدءاً من الموقع الرئاسي.

 

في خلاصة كلام جعجع، الأساس قوله لـ»الحزب: «ما بقى ماشي الحال». هذا ما يقوله اللبنانيون، كذلك ما قاله مراراً باسيل و»المعارضون». فهل يبقى جعجع وحده «قائداً» لهذه المعركة أم ستنضمّ إليها مسيحياً بكركي ورئيس «التيار الوطني الحر» النائب جبران باسيل عندما «يدق الخطر عالبْواب»؟ وهل ستكون معركة «القوات» مُحاطة داخلياً من المعارضة وخارجياً من دولٍ تنادي بـ»الدولة» في لبنان، أم ستجري سفُن التسويات بعكس الرياح «القواتية»؟ الأكيد أنّ «القوات» لن «تركب» أي موجة تسويات غير سيادية أو إصلاحية، فمصير هذه السفينة لن يكون إلّا الغرق.