بعد حوالى خمسة أشهر على انتهاء المهلة الدستوريّة لانتخاب رئيسٍ للجمهوريّة بفعلِ الأوراق البيضاء في الدورة الأولى وانسحاب فريقه من الجلسات في الدورة الثانية، إستفاض واستمات رئيس مجلس النواب نبيه برّي أمام نقابتي الصحافة والمحرّرين في الدفاع عن خياره الرئاسي المتمثّل بزعيم «تيّار المرده» سليمان فرنجيّة معدّداً صفاته على الشكل التالي: «إننا بحاجة لرئيس يتحدث مع سوريا بموضوع ترسيم الحدود وحلّ أزمة النازحين»، «ونريد رئيساً قادراً على مقاربة الاستراتيجيّة الدفاعيّة».
السؤال هنا، هل كان الرئيس السابق ميشال عون، بما ادّعاه من جَبَروت، عاجزاً عن التحدث مع سوريا بموضوع ترسيم الحدود وحلّ أزمة النازحين، وهل كان عاجزاً عن مقاربة الاستراتيجيّة الدفاعيّة مع «حزب الله» أم أنّه لم يكن يريد ذلك؟ بمعنى آخر هل كان عاجزاً أم متواطئاً؟ واستطراداً هل أنّ فرنجية أدهى وأقدر وأقوى وله السطوة والوهرة أكثر من الرئيس عون للحصول على هذه المكتسبات؟
في الاتفاق السعودي- الإيراني الأخير هناك ضامن اسمه الصين، فمن هو ضامن قبول سوريا بترسيم الحدود وعودة النازحين إليها وقبول «حزب الله» باستراتيجيّة دفاعية تنتهي بعودته إلى لبنان وتسليم سلاحه إلى القوى الشرعيّة اللبنانيّة؟
وأكمل رئيس المجلس مواصفاته الرئاسيّة قائلاً: «نريد رئيساً له حيثيّة مسيحيّة وإسلاميّة ووطنيّة»، «نريد رئيساً يؤمن بعلاقات لبنان مع محيطه العربي»، «نريد رئيساً يؤمن باتفاق الطائف»، «مرشّحنا هو من القيادات الأربع الذين اجتمعوا في بكركي»، «مرشّحنا شمالي، والموارنة بدأوا من الشمال وتناموا وتمددوا من هناك إلى كلّ لبنان».
مواصفاتٌ ممتازةٌ هي. الجواب من البند الأخير وصعوداً: بشرّي هي أيضاً، من أرزها التوراتي وواديها المقدّس، كما إهدن، من صلب الشمال. هناك من هو الأَوَّل بتفوّق بين أقطاب الموارنة الأربعة في بكركي بفعل نتائج الانتخابات النيابيّة منذ أقل من سنة. هناك من أصابه أكثر ممّا أصاب البطريرك الكبير نصر الله صفير، شُيْطِنَ واضْطُهِدَ واعتُقِلَ دزينة من السنين حتى خرج من بين القضبان، كلّ ذلك بسبب حمايته وتغطيته لاتفاق الطائف الأصلي لا الممسوخ، كون هذا الاتفاق شَكَّل المخرج الوحيد من حرب التحرير المجنونة والمُدَمِّرَة للبنان.
وهناك من يؤخذ عليه تمسّكه غير المشروط واللامحدود بالعلاقات الممتازة مع المحيط العربي، من المحيط إلى الخليج. ويبقى أنّ هناك من هو بالتأكيد، صاحب الحيثيّة المسيحيّة الأولى والمُنتَشِر وجدانيّاً عند معظم مكوّنات الشعب اللبنانيّ، إنّه سمير جعجع.
فهل من يجرؤ لخوضِ غمارِ بناء دولة قادرة عادلة سيّدة حرّة مستقلّة مستقرّة مزدهرة تُعيد لبنان إلى سابق عزّه وعِزَّتِه بتكاتف جميع أبنائه شيعةً وسُنّةً ودروزاً ومسيحيّين؟ يبقى أنّ هناك ميزةً فريدةً لزعيم تيّار «المرده» يَتَّفق عليها الجميع من دون استثناء، وهي صراحته بالإعلان عن انتمائه السياسي، فهو من صلب «الخطّ» ومن صلب «محور الممانعة» ولا يزيح عنهما مهما حصل.
إنّها الميزة الوحيدة التي تناساها وغَفل عنها الرئيس نبيه برّي لأنّه يُدرِك أنّها تلغي كلّ مفاعيل الحسنات الأخرى.