IMLebanon

من حارس معراب إلى ساسة الجمهورية السائبة!

انطباعات دبلوماسية مؤلمة عن اللبنانيِّين الباحثين عن المنّ والسلوى لإنقاذ بلدهم!

 

يواظب رئيس حزب «القوات اللبنانية» على الإحتفاظ بدوره، كحارس مرمى، في الملعب الرئاسي؛ وذلك بالعمل ليل نهار، على منع وصول ما يسميه مرشح «الممانعة» إلى قصر بعبدا، ومن زاوية هذا «الدور الحراسي» يتصرف الرجل، وكأنه زعيم للمعارضة النيابية، لاسيما المسيحية منها في الإيحاء والعمل، والسلوك، لدرجة ان حليفه «الحربلائي» رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وضعه في صف الكبار الى جانب أمين عام حزب الله، في تقرير مَن يكون رئيس لبنان!

المسألة هنا، تبدو على طريقة «عنزة ولو طارت» أو على طريقة قتل الناطور، وأكل العنب يأتي لاحقاً.

ولئن كان رئيس «القوات» الذي تمرَّس بدور «العقبة» الكأداء بوجه محور الممانعة، قبل أن يتشكل على هذا النحو من أيام الاتفاق الثلاثي، أيام الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، حيث قاتل لإسقاطه، باسقاط رفيقه المغدور في ما بعد ايلي حبيقة وإبعاده عن رئاسة الهيئة التنفيذية في حزب القوات، قبل ان تتحول القوات الى حزب سياسي، الى الإطاحة، ولو بدور ما، بوصول النائب السابق المرحوم مخايل ضاهر الى قصر بعبدا، عبر ما عُرف حينها 1988 باتفاق مورفي- الأسد، يتمادى في لعب دور من هذا النوع، فإن أطرافاً مسيحية أخرى، تلاقيه عند أبعد ما يمكن وصفه «بمنتصف الطريق»، أعني، على نحو مباشر التيار الوطني الحر، الذي يناصب رئيسه العداء ما يسميه «مرشح الفرض» أي السياسي الماروني الشمالي سليمان فرنجية.

عند لحظة تاريخية، وفي غمرة إعادة «توزيع الغنائم» بعد اتفاق بكين السعودي- الإيراني، على ساحات الشرق الأوسط، خلت سدة الرئاسة في لبنان من رئيس للجمهورية..

في تقرير سابق، تناولت المخاطر المحدقة بالبلد، في ظل وضع صلاحيات رئيس الجمهورية والمواد الدستورية التي تنظمها على الرّف، وكأن هذه المواد أصبحت شيئاً منسياً. وهذا ينذر بخطر عظيم ومتفاقم، فالمرشح الرئاسي فرنجية رفض أن تعيّن حكومة تصريف الأعمال، التي يقف على رأسها «صديقه» محمد نجيب ميقاتي حاكماً لمصرف لبنان، إذا استمر الشغور الرئاسي، ولم يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية، ولم يمانع إذا ما تولى النائب الأول للحاكم، وهو شيعي إدارة المصرف المركزي، مع العلم ان الثنائي الشيعي (بري- نصر الله) تداولا منذ زمن في الموقف الذي يتعين اتخاذه، واتفقا على عدم حصر القرار المالي في البلد بيد الشيعة (وزير المالية شيعي، الحاكم يصبح شيعياً، المدعي العام المالي شيعي، ورئيس ديوان المحاسبة)..

وعليه، يكون الحل العملي، والطبيعي والدستوري بانتخاب رئيس للجمهورية، ثم الدعوة الى استشارات نيابية ملزمة، لتأليف حكومة، ثم تأليف حكومة، وتخصيص جلسة لتعيين حاكم جديد لمصرف لبنان، بصرف النظر عن ملاحقات الحاكم الحالي سلامة او عدمها، فالولاية الأخيرة له تنتهي في أول تموز والبعض يقول في نهايته.

فضلاً عن تعيينات أخرى، والعودة إلى انتظام الحياة العامة في البلاد، عبر المؤسسات العقلية، وليس مؤسسات «الدولة العميقة» أو القوة الغاصبة المعروفة بالمنظومة، مع مختلف تشكيلاتها الحزبية، والمذهبية، وأنديتها الثقافية، ومنتظماتها النقابية، الى النواب والوزراء والمدراء، مروراً بالرؤساء وصولاً الى القضاة والأنساق الاسلامية على اختلافها، من مواقع الكترونية، الى تلفزيونات، وصحف وما شاكل..

السؤال البدهي، وليس التحريضي: هل يقبل الشيعة بأن يتولى نائب رئيس المجلس مهام رئيس المجلس او لا ينتخب رئيس للمجلس بعد الانتخابات النيابية؟ التجربة، والوقائع التاريخية تجيب بالنفي..

وعلى الخط عينه، هل يقبل السنّة، بأن يتولى نائب رئيس الحكومة مسؤولية إدارة الحكومة، وإلامَ من الوقت؟ الوقائع التاريخية البعيدة والقريبة، وكذلك التجربة تفيد بـ «لا كبيرة».

اشتقاقاً من السؤال البدهي؟ لماذا يقبل المسيحيون، أو عليهم ان يقبلوا بأن يغيب رئيس الجمهور عن المشهد الدستوري، واليومي، والتنفيذي الى آخر الصلاحيات المنصوص عنها في مواد الدستور؟

ربما لا حاجة للخوض في الجوانب او الخلفيات التاريخية لهذه الوضعية الشاذة في النظام اللبناني، فالدستور لحظ في عدد من مواده من الـ49 الى 74 و75 خلوّ الرئاسة، او البديل، القصير الأمد، وليس طويل الأمد (سنة، او سنتين، أو أكثر) لمعالجة الشغور عبر تولي مجلس الوزراء مجتمعاً صلاحيات الرئيس بالوكالة.

إلَّا أن الأمر الذي يدعو الى الغرابة، التي تصل الى حدّ الحنق على ساسة لبنان، لا سيما المسيحيين، منهم، وعلى الأخص ساسة الموارنة ومرجعياتهم، هو كيف يقبل هؤلاء بالشغور، وكيف يتصرفون مع وقوعه لمرات تتكرر كل ست سنوات، وتطول لأشهر، أو سنوات؟

خارج المبادئ والعدالة، أو الميثاقية والعيش المشترك، بالقواعد الأمبريقية للنظام اللبناني، تلحظ هذا الخلو أو الشغور، وتلحظ رداءة التعامل المسيحي والوطني معه، من الناحية العملية، والإكتفاء بالكلام الديماغوجي، والغوغائية الخطابية، مع طلوع كل صباح، بين وقوف على الأطلال، او تلاعب على الحبال.

يستمع الدبلوماسيون العرب والأجانب للساسة اللبنانيين، وهم يتحدثون، تارة عن حوار، وتارة عن سجال، وطوراً ثالثاً عن محاور في السياسة والقتال.. ويضعون أمامهم، الخطوط الحمر من هنا وهناك.. فيخرج هؤلاء، وهم يضحكون بعبّهم، كما يقال من الغباء اللبناني، الذي يرتدي الياقات البيض والزرق والخضر الى الأصفر، أو العصنفر (وهو لون فيه كل الألوان المذكورة، لكنه يعشي الرؤية).

أحد الموفدين، من إمارة (دولة) صديقة لبنان، استمع موفداً من قيادة دولته، الى مختلف الشرائح اللبنانية، بما في ذلك الرؤساء وقادة أجهزة عسكرية وأمنية، فخرج بانطباع مفاده، كما سمعه من أحد الأشخاص المرموقين الذي التقى مسؤولين في الدولة العربية الصغيرة، والوسيطة (تقوم بأدوار وساطة) أن اللبنانيين، ينتظرون المنّ والسلوى، لدى معالجة أي استحقاق يخص بلدهم.. وفاتهم هذه المرة أن لا أحد يرغب او قادر على توفير ما يطلبون، وما عليهم إلَّا تقليع شوكهم بأيديهم،  وهم لا يفعلون..

بين حماقة المسيحيين، واستهتار اللبنانيين، ونصائح الدبلوماسيين والموفدين، ينتقل البلد من مطب الى اخر.. والأولوية تبقى رفع المتاريس بدل انتخاب الرئيس!