لم أعْتَدْ التوجّه برسائل مباشرة الى أيّ من المسؤولين اللبنانيين رغم ما كنت أوجه من انتقادات موضوعية بناءة لعدد كبير من المسؤولين، حين أرى أنّ الحاجة تقتضي فعل ذلك…
ولكن وجدتني اليوم، أوجه أسئلة عدّة الى الدكتور سمير جعجع، رئيس «القوات اللبنانية»، علّني أجد عنده ما يُشْبع نهمي لإيجاد أجوبة حاولت جاهداً إيجاد تفسير لها -وللأسف- لم أفلح.
أسأل الحكيم وبكل صراحة: لماذا تضع «ڤيتو» على ترشيح الزعيم سليمان فرنجية، ولماذا أنت مصرّ على استبعاده وعدم إيصاله الى مركز رئاسة الجمهورية..؟
أضيف: لماذا كنت سيّد المناورة والمماحكة في الوقوف ضد ترشيح ميشال عون للرئاسة يوم عطّل حزب الله البلد عامين ونصف العام، فانتفضت فجأة، قالباً المعادلة، مؤيّداً عون من خلال اتفاق المصالح في معراب لِتكُرّ السّبْحَة ويصل عون لينقل لبنان الى قعر جهنم باعترافه هو؟
نحن نعرفُ وندركُ تماماً أنّ لبنان، لا يخلو من المفاجآت، حتى وهو غارقٌ في الشلل، واقتصاده منهار واستقراره الداخلي مهدّد.
وَلأعُدْ الى التذكير:
أولاً: المواجهة الأولى بين عون وجعجع تمّت في كانون الثاني عام 1990 تحت مسمّى «حرب الإلغاء» حين كان عون رئيساً للحكومة العسكرية، فقاد حرباً ضد «القوات اللبنانية» بزعامة سمير جعجع تحت شعار: «توحيد البندقية تحت لواء «الشرعية».
ثانياً: تواصل الصراع السياسي بين عون وجعجع، رغم خروج عون من بيروت الى منفاه في فرنسا عام 1991 في تشرين الأول.
ثالثاً: تأزّم الوضع السياسي بين عون وجعجع في انتخابات 2005.
رابعاً: اشتد الخصام واحتدمت الخلافات بين الرجلين، إثر توقيع ميشال عون «ورقة التفاهم» مع حزب الله في كنيسة مار مخايل في شباط 2006، مما دفع عون الى الوقوف الى جانب حزب الله في هجمة السابع من أيار عام 2008.
خامساً: تعمّق الخلاف أكثر فأكثر في ربيع عام 2014، على خلفيّة ترشيح جعجع نفسه للرئاسة في وجه عون.
وفجأة -كما أشرت- أعلن جعجع في 18 كانون الثاني عام 2016 ترشيحه لعون بعد اتفاق المحاصصة في معراب، حين شرب الرجلان (عون وجعجع) ومن معهما نخب هذا الاتفاق.
أنتقل من هذه المسألة الى العلاقة بين جعجع والزعيم سليمان فرنجية…
لقد بدأ الخصام بين الرجلين في العام 1978 بعد مذبحة إهدن «أو مجزرة إهدن»، وهو الاسم الذي أطلق على الهجوم الذي قامت به ميليشيا سمير جعجع على بلدة إهدن، في 13 حزيران 1978 والذي أدّى الى مقتل زعيم «المردة» يومذاك طوني فرنجية والد الوزير سليمان، إضافة الى زوجته ڤيرا وابنته البالغة من العمر 3 سنوات، مع عدد من أنصاره بلغ الـ28 شخصاً، قتلوا بدم بارد وبشكل وحشي بشع… وقد أطلق على العملية في ذلك الوقت «عملية الأرز».
وأقول: إنّ تلك المجزرة نتيجة تطوّر مفاجئ في عمليّة طارئة، لكنها كانت نتيجة عملية عسكرية جرى تحضيرها فترة طويلة.
ولقد تركت تلك المجزرة آثارها العميقة على كل من سمع بها، فأصبحت بمثابة تاريخ فاصل. جعجع يُعتبر قاتل طوني فرنجية وزوجته وابنته، وهو بارتكاب هذه المجزرة، ترك جرحاً عميقاً لا يمكن أن يُنسى.
وبتدخل مباشر من البطريرك مار بشارة بطرس الراعي اجتمع فرنجية وجعجع في حمى بكركي، لطي صفحة دموية بعد 40 عاماً على مجزرة إهدن. وكان سليمان رجلاً رائعاً وشهماً حين قال أصالح ولو كنت لا أنسى ولا أسامح. فكان كبيراً في موقفه ذاك.
صحيح ان جعجع وفرنجية التقيا مرّات عدة بعد عام 2005، أي بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وانسحاب القوات السورية… إلاّ أنّ تلك اللقاءات لم تكُنْ ثنائية، بل كانت ضمن سلسلة لقاءات في بكركي برعاية البطريرك، وضمّت إليهما كلا من الرئيسين السابقين ميشال عون وأمين الجميّل، لكن تلك الاجتماعات لم تُفْضِ الى أي نتيجة.
الخلاصة والأهم من هذا كله، ان الوزير السابق سليمان فرنجية تعالى على الجراح، تعالى على مقتل والده ووالدته وأخته وصالح… فكم هو رائع هذا الموقف… انه حقاً موقف الشجعان.
اليوم… سليمان فرنجية مرشح لرئاسة الجمهورية، وسمير جعجع يعيش خبط عشواء… فينتقل من ترشيح معوّض الى أزعور مع كامل تقديري واحترامي للرجلين. من هنا كانت رسالتي حاملة السؤال: لماذا لا يتبنى سمير جعجع ترشيح الوزير السابق سليمان فرنجية، حفيد الرئيس سليمان فرنجية وابن طوني فرنجية؟
لماذا لا يتمّ هذا التبني؟ وهل سليمان فرنجية النابذ للأحقاد، المتعالي فوق الجراح والدماء، لا يستحق من الدكتور سمير جعجع مثل هذا الموقف؟
لا أدري ما سأقوله بعد هذا كله سوى كلمة: «هَزُلت».