Site icon IMLebanon

معلّم وحَكيم

 

تُختَصَر الذكرى الثلاثون لتفجير كنيسة سيّدة النجاة في زوق مكايل بكلمتين، دهاء وصمود. الدهاء يَكْمُن في أنّ العقل الأمنيّ السوريّ اللبنانيّ فَهِمَ يومها أنّ التخلّص من «القوات اللبنانية» ومن سمير جعجع هو الشرط – الأساس للهيمنة على لبنان. إلّا أنّ صمود جعجع في زنزانته، وفولاذيّة «ستريدا» غير المسبوقة في التاريخ، وعنفوان «الشباب» حتى الاستشهاد، أمور قَلَبَت السحرَ على الساحر فانقلبت الموازين وبقيت القوات. رحم الله جميع الشهداء وخاصّة شهداء الكنيسة.

بالعودةِ الى يوميّاتنا، فوجئ المراهنون وصُدِموا عندما أعلن الدكتور جعجع محاطاً بكتلة «الإعتدال الوطني» تشجيعه لا بل تأييده لمبادرتهم الرئاسيّة التي قيل إنّها أخذت الموافقة المُسبَقَة «للثنائي الشيعي» من خلال رئيس مجلس النواب نبيه برّي، فسارعت أوساط هذا الأخير للتراجع والتملّص من «المبادرة» طارحةً شروطاً تعجيزيّةً لإتمامها. إذاً، نجح «الحكيم» وأطياف «المعارضة» في اللحاق بالرئيس برّي إلى بابِ البرلمان وكَشْفِ حقيقة «أرنَبِه» الرافض لانتخابِ رئيسٍ للجمهوريّة تطبيقاً لمندرجات الدستور.

لنتذكّر في مجال آخر، عندما طرح النائب جبران باسيل على الشيخ سامي الجميّل إسم جهاد أزعور للتقاطع عليه كمُرشّحٍ لرئاسة الجمهوريّة، اعتقد باسيل أنّ جعجع سيرفضه لأسباب متعدّدة، إلّا أنّ «الحكيم» خَيَّبَ آمال باسيل وسار بجهاد أزعور حتى النهاية، فيما قيل أنّ بعض نواب «التيّار الحرّ» لم ينتخبوا جهاد أزعور. وأكثر من ذلك، فقد صرّح بعض نواب «التيّار» بمن فيهم النائب باسيل فور خروجهم قَبل الدورة الثانية، أنّ التقاطع على أزعور هو لمرّة واحدة فقط. هنا أيضاً نجح سمير جعجع والمعارضة في اللحاقِ بباسيل وزَركِه «ببيت اليِكْ» ليتبيّن مرّة جديدة أنّ قَلبَه وعَقلَه ومصلحته ومصالحه ملتصقة «بالثنائي الشيعي» حَصراً.

بالعودة إلى العام 2016، تصوّروا لَو لَمْ يَنتَخِب سمير جعجع العماد ميشال عون لرئاسة الجمهوريّة، لكانت قامت القيامة ضدّه على طريقة «لَوْ القوات انتخبوا ميشال عون كنّا شعشعنا الكهرباء وامتلأت السدود ووصل القطار للصين، ولكان المترو غطّى لبنان، ولكنّا أتينا بكلّ الاستثمارات العالميّة، وكنّا عشنا بالجنّة….». طبعاً بعد أن نكون قد حرّرنا القدس وأزلنا إسرائيل من الوجود. (كل ما ذُكِر مأخوذ ومُقتَبَس من خطابات النائب جبران باسيل).

شكراً سمير جعجع لإيصالك ميشال عون إلى قصر بعبدا، فعلاً كانت «ضربة معلّم» لا بل «ضربة حَكيم». أمّا بعد، فلا يزال باسيل يُرَكِّز في كلّ كلماته، وآخرها في العشاء التربوي لتيّاره، على أنّه «خَلْف المقاومة في مواجهة العدو الإسرائيلي، وهو يدعمها لأن في ذلك مصلحة للوطن». هذا هو لبّ خلاف السياديّين مع باسيل، فنحن خَلف الدولةِ والجيشِ في مواجهة كلّ الأعداء وكلّ المخاطر. وكلُّ كلامٍ غير ذلك هو كُفْرٌ بالوطنِ وبالدولةِ وبالشعب. ولا يستطيع أي تيّار وأي حزب وأي طائفة أو أي فريق أن يُوائم بين المقاومةِ والدولةِ لأنهما نقيضان لا يلتقيان أبداً.

وإلى أن يقتنع باسيل بأنّ الزمن الأول تحوّل، وأنّ الوصول الى الرئاسات والوزارات والإدارات لم يَعد يمرّ «باتفاق مار مخايل»، نُراهن على وَعيِ «التيّاريّين» لتغيير «المسار» الحالي فيتغيّر «مصير» جميع اللبنانيّين نحو الأفضل.