في لبنان كل شيء موجود يختلف عن بقية دول العالم… ومن دون أن نسمّي الأشياء بأسمائها، لا بد من التوقف عند قرار حزب «القوات اللبنانية» الطعن بقانون صدر عن المجلس النيابي فحواه التمديد للانتخابات البلدية.
فعلاً مضحك مبكٍ موضوع الطعن هذا، وموضوع ان كل فئة سياسية تنظر الى القانون حسب مصالحها و»ذوقها».
وطالما نحن نتحدث عن «القوات اللبنانية» التي أصبحت اليوم تعيش في عالم خاص بها، ليس له مكان في الواقع، وهو أقرب ما يكون الى النظريات الفلسفية التي لا يمكن تطبيقها على مجريات الأمر الواقع.
عندي سؤال بسيط جداً هو، انه أصبح في لبنان الجديد، أي لبنان بعد دخول «القوات اللبنانية» وكي لا ننسى «التيار الوطني الحر» أيضاً، المعترك السياسي، أصبحت مواعيد الانتخابات النيابية والرئاسية والبلدية كلها متوقفة على عدم الاتفاق أو التوافق بين الفئات والأحزاب اللبنانية.
نبدأ بقانون الانتخاب الذي فُصّل على قياس التيار الوطني الحر، الذي سقط رئيسه جبران باسيل في الانتخابات النيابية مرتين متتاليتين، فلذلك كان لا بد من البحث عن قانون يمكن أن يوصل «الطفل المعجزة» الى المجلس النيابي.
كذلك الأمر بالنسبة لـ»القوات»… فإنّ مشكلة رئيسه انه ينادي بالحريات والديموقراطية بينما يريد أن ينتخب «المسيحي» المسيحي، ولا يريد أن يكون لبنان مميّزاً كما يجب أن يكون بالتعايش بين المسلمين والمسيحيين، وهذا القانون القديم كان الهمّ الأول والأوحد لديه أن يكون هناك انصهار وطني في الانتخابات يترجم في انتخابات مشتركة وليست مذهبية أو طائفية.
على كل حال، تمّ تغيير القانون على قياس «طفل الأنبوب» وتعصّب الدكتور سمير جعجع الذي يريد أن يعيش المسيحيون كلهم في «غدراس».
بالعودة الى موضوع الاستحقاقات، نبدأ بالاستحقاق الرئاسي.. فمنذ انتهاء عهد الرئيس أمين الجميّل والبلد يعيش مرحلة النكايات… إذ عندما تعذّر التمديد للرئيس أمين الجميّل، كانت ردّة فعله أنه عيّـن قائد الجيش يومذاك الجنرال ميشال عون رئيساً لحكومة عسكرية مهمتها الوحيدة انتخاب رئيس جمهورية جديد للبلاد، وللأسف الشديد ما إن جلس الجنرال ميشال عون على كرسي بعبدا، حتى تناسى كل شيء ولم يكن عنده إلاّ همّ واحد هو البقاء على كرسي بعبدا… فلا «حرب التحرير» ولا «حرب الإلغاء» التي قام بهما عون ضد «القوات اللبنانية» وتهجير أكثر من 300 ألف مسيحي، وهي المرّة الثانية لهجرة المسيحيين من لبنان بعد «حرب السنتين» التي بدورها هجّرت 300 ألف مسيحي، بدّلت مواقفه التعصبية.
لم يكتفِ بذلك، بل ذهب الى حرب ثالثة هي «حرب تكسير رأس الرئيس حافظ الأسد»، هذه الحرب التي انتهت بهروبه من قصر بعبدا الى السفارة الفرنسية في مار تقلا، ومن بعدها النفي الى باريس، ودخول الجيش السوري الى وزارة الدفاع وقصر بعبدا لأوّل مرّة في تاريخ لبنان..
ومنذ ذلك التاريخ لا ينتخب رئيس بطريقة طبيعية لأنّ الخلاف الماروني – الماروني ليس له حل..
وطالما نتحدث عن الخلاف الماروني.. عندي سؤال للدكتور سمير جعجع، ما دام الزعيم سليمان فرنجية أعلن انه يسامحك عن اغتيالك والده الشهيد طوني فرنجية… فلماذا تخاف من وصول الزعيم سليمان فرنجية الى الرئاسة؟.. ومن ناحية ثانية، طالما انك أبرمت «اتفاق معراب» مع أكبر مجرم بحق المسيحيين الذي هو الجنرال ميشال عون، والذي أبرم «اتفاق كنيسة مار مخايل» مع حزب الله، واتفقت معه على وصوله الى الرئاسة، بينما الزعيم سليمان فرنجية ليس بينه وبين «الحزب» أي اتفاق، بل كل الأمر توفّر الثقة وقناعة عند الزعيم بخطه الوطني.
بالعودة الى الطعن، للتذكير فقط، فإنّ الجنرال ميشال عون وتياره لا يتركان جلسة تمر في مجلس الوزراء إلاّ ويكون الموضوع الوحيد هو الطعن والميثاقية والدستور، ويبدو ان هذه العدوى قد وصلت الى الدكتور سمير جعجع.
أنصحك يا دكتور ألا تضيع وقتك بالطعون، بل اذهب الى اتفاق مع من تريد.. المهم أن ينتخب المجلس النيابي رئيساً جديداً للجمهورية، وبعدها كل الأمور سوف تُـحَلّ… وكفى مضيعة للوقت واجتماعات وانتقادات وطعون… فالمواطن يريد أن يعيش ويريد الاستقرار ويريد فرص عمل ويريد تقدماً وازدهاراً في البلد.
كذلك لا بد من لفت نظر إخواننا من كبار المسؤولين الموارنة الى ان التعطيل إن كان بالنسبة لموقع رئاسة الجمهورية، أم قيادة الجيش، أم بالنسبة لموقع حاكم مصرف لبنان، أم بالنسبة لمدير مخابرات الجيش ورئيس مجلس القضاء الأعلى، وكل هذه المواقع هي من نصيب أهلنا الموارنة. فبالله عليكم قولوا: لماذا التعطيل، وهل هناك استحالة أن يتفق الموارنة فيما بينهم على هذه المواقع؟..