لا ينام رئيس الهيئة التنفيذية في القوات اللبنانية سمير جعجع على ثأر. ويصبح أكثر توثّباً عندما يتعلق الأمر بمقاطعة الحزب التقدمي الاشتراكي لمؤتمر معراب حول «السيادة اللبنانية وضرورة تطبيق القرار 1701»، ما حجب الغطاء الدرزي عن اللقاء.منذ «طوفان الأقصى»، في 7 تشرين الأول الماضي، اتخذ وليد جنبلاط موقفاً لافتاً من الحرب ومن فتح جبهة لبنان نصرة لغزة، وحرص على استتباع ذلك بتقارب واضح مع حزب الله، ما انعكس مزيداً من التراجع في العلاقة مع «القوات اللبنانية». وازداد الأمر سوءاً مع وصف جنبلاط مؤتمر معراب بـ«الفاشل» وجعجع بـ«المتشدد» الذي عليه أن «يفعل ذلك من دوننا» إذا أراد أن ينصّب نفسه زعيماً للمعارضة.
وسرعان ما خرجت الخلافات إلى العلن، وبدأت لهجة مسؤولي القوات تزداد حدّة وصولاً إلى الضرب تحت الحزام وتناول زعامة المختارة بالمباشر، كما جاء على لسان النائب بيار بو عاصي في لقاء على منصة X قبل يومين، مشيراً إلى أن «الدروز موجودون في لبنان منذ ألف عام عندما لم تكن عائلة جنبلاط هنا، بل كانت لا تزال في كردستان. يومها حافظوا على وجودهم وسيحافظون عليه في المستقبل. فجنبلاط ليس الوحيد القادر على حماية الطائفة اليوم»، وهو ما استدعى ردوداً من نواب الاشتراكي، فيما كان لافتاً عدم إصدار القوات أي توضيح، بما يرجح أن كلام بو عاصي لم يكن «زلّة لسان»، وإنما استفزاز متعمّد.
رغم ذلك، يقلل رئيس جهاز الإعلام والتواصل في حزب القوات اللبنانية شارل جبور من أهمية كلام بو عاصي الذي «لم يأت في سياق مقابلة تلفزيونية أو بيان بل أثناء نقاش ضمن مساحة افتراضية أشبه بصالون ضيق ولا يفترض أن يخرج إلى العلن». ويقرّ بأن ثمة تبايناً بين القوات والاشتراكي، لكنه «مضبوط ومنظم ونعمل كي لا يتحول إلى خلاف لأن لدينا حرصاً متبادلاً على إبقاء الأمور ضمن نطاق التفاهم»، ومواقف بو عاصي أو غيره «تصدر في إطار هذا الاختلاف وليس أبعد من ذلك». وفيما يحاول جبور التخفيف من حدة كلام نائب بعبدا وآثاره على البيئة الدرزية وإظهاره وكأنه «شطحة» فردية، إلا أن بو عاصي، وفقاً لمصادر مطلعة، «يعكس ما في عقل جعجع، وهو الأول بين رفاقه في التعبير عن مواقف القوات». فمع خروج جعجع من اتفاق معراب مع التيار الوطني الحر، كان بو عاصي أول من لعب دور رأس الحربة ضد الرئيس ميشال عون حتى قبل فرط الاتفاق بشكل رسمي وعلني.
يهوى زعيم القوات سياسة التحريض ويكرر مع جنبلاط ما فعله مع الحريري لدى السعوديين
النائب وائل بو فاعور شدّد على رفض منطق التعرّض بالشخصي وقال لـ«الأخبار» إن «كل كلام يُقال في هذا الإطار سيُردّ عليه». لكنه شدّد على أن الحزب الاشتراكي «لا يرغب ولا يرى مصلحة في أي سجال سياسي لا مع القوات ولا مع غيرها في هذه الظروف الصعبة، وقد جرى اتصال مع النائب ملحم رياشي وتم الاتفاق على التهدئة».
بدوره يؤكد رياشي أن «العلاقة بين الطرفين ودية جداً وليست هناك خلافات بل اختلافات في بعض المقاربات السياسية مثل طاولة الحوار مثلاً. لكن التواصل قائم ولا شيء يخلفنا مع الاشتراكي. هي أشبه بفشة خلق وقطعت إذ لا وقت للسجالات اليوم».
رغم ذلك، يبدو جعجع راغباً في تأجيج السجالات وإبقاء النار مشتعلة مع الاشتراكي، فالانتقادات القواتية لم تتوقف أبداً منذ أشهر. والمشكلة «تكمن في سلوك القوات في كل مرة يحصل تباين أو تمايز في المواقف السياسية والتوجهات، إذ تقابل بمنشور أو مقال في وسائل إعلامية صديقة لمعراب تشكك بموقف الاشتراكي وتطرح أسئلة حول توجهاته، ومنها موقف جنبلاط من فلسطين الذي يفسره القواتيون على أنه نزوح سياسي وتحوّل داخلي نحو الممانعة ربما لافتقادهم إلى التعاطف التاريخي والارتباط السياسي بفلسطين». وقبله الموقف من مؤتمر معراب الذي «اعترضنا عليه بالمضمون والشكل كوننا دعينا إلى مؤتمر محضر سلفاً بخلاف ما يجب أن يكون عليه العمل الجبهوي، فاعتذرنا عن عدم الحضور من دون رغبة في افتعال مشكلات إضافية».
ويبدو جلياً لدى المسؤولين في الحزب الاشتراكي أن القوات تستغل موقف جنبلاط من جبهة الجنوب وتقاربه مع حزب الله لإظهار جعجع أمام الخارج وكأنه الوحيد الذي يواجه حزب الله، إضافة إلى «التحريض المتواصل» ضد جنبلاط لدى المسؤولين في السعودية، بما يذكّر بالحملة على الرئيس سعد الحريري واتهامه بالرضوخ للحزب.
لعل ما لا يدركه جعجع أن مؤتمره الأخير في معراب لم يرفع من رصيده لدى الأطراف الخارجية. فحتى زوّار الرياض عبروا عن امتعاض كون جعجع ظهر بموقع الضعيف، والمتروك وحيداً من دون أي غطاء بعد مقاطعة مستقلّي 14 آذار وأحزاب الكتائب والاشتراكي والمستقبل، إلا إذا كان ثمة مقتنع فعلاً بأن وضاح الصادق ومارك ضو يعوضان الغطاء الدرزي والسني الذي فقده. وما تماديه في مخاصمة آخر حلفائه، أي جنبلاط، إلا إمعاناً في محاصرة نفسه بنفسه وتحجيم دوره ونفوذه لا العكس.