IMLebanon

عندما لا يجد جعجع مكاناً لكلمة إسرائيل!

 

 

 

في خطابه غروب الأحد، قال سمير جعجع جملة مفيدة واحدة: تعالوا نتحدث من دون مجاملات. أما بقية الخطاب، فكلام مكرّر على لسانه، أو شعارات يمكن العثور عليها في كلمات أقرانه من الفريق الساكن في تاريخ مضى!

الرجل صادق في ما يؤمن به، ومستعدّ لدفع الأثمان جرّاء أفعاله، وهو كان شديد الصراحة في تحديد وجهته. فقد قال بوضوح تام، وبالمباشر، إن إيران وسوريا وحزب الله هم من يرى فيهم الخصم والعدو. لكنّ التقية لا تغيب عن عقول الخبثاء. وفي حالة سمير جعجع، لا يمكن إخفاء المشاعر أو الميول، بل يمكن عدم إكمال العبارة حتى آخرها، سيّما أنه يجيد حرفة أن يترك لصغاره البوح بمكنوناته على شكل صراخ ينتشر في الفضاء الإلكتروني.

اتّهم جعجع إيران وسوريا وحزب الله، بالاسم، بالمسؤولية عن كل ما أصاب لبنان خلال السنوات الثلاثين الماضية. أما لماذا اختار السنوات الثلاثين فقط، فهذا يعود إلى كون التاريخ الحديث يبدأ مع جعجع، منذ لحظة توقيفه في سجون الجيش قبل ثلاثين سنة. وهو لن يعود إلى ما حصل قبل هذا التاريخ، لأنه لن يجد ما يسعفه على تحفيز من زرع الخوف في نفوسهم. وحتى لو حاول البعض فتح دفاتر الماضي القريب، فسيخرج جعجع متهماً إياه بنكْء الجراح. لكنّ الرجل الذي حصر المسؤولية بإيران وسوريا وحزب الله، كان واضحاً أنه لا يرى أن الولايات المتحدة أو أوروبا، أو السعودية ودولاً عربية أخرى، أو إسرائيل وشياطينها، يتحملون أي مسؤولية عمّا أصاب ويصيب لبنان.

في حديثه عن الحرب والجنوب، لم يتسع خطابه لأسماء قرى غير القرى المسيحية في المنطقة الحدودية، وباعنا أنه يحترم الشهداء الذين يسقطون. تحدّث عن الحرب في الجنوب، وعن قرار الحرب والسلم، وعن اليوم التالي، وعن القرار 1701، وعن بسط سلطة الدولة على الحدود، وحماية الأرض… من دون أن يقول لنا، يحميها ممّن… صال وجال صعوداً وهبوطاً، ولم يرَ شيئاً اسمه إسرائيل.

ومشكلة جعجع في مسألة إسرائيل لا تقتصر على لبنان. جيد أنه لفت انتباهنا إلى أنه متضامن مع الشعب الفلسطيني، وأنه يشعر بآلام أبناء غزة. لكنه لم يقل لنا، أيضاً، من الذي يتسبب بآلام ومعاناة الفلسطينيين، في غزة أو الضفة أو أي مكان آخر… فهو، ببساطة، لم يسبق أن سمع بشيء اسمه إسرائيل.

في خطابه الطويل يوم الأحد لم ترد كلمة إسرائيل مطلقاً. لم يأتِ على ذكرها، لا في حديثه عن الحرب مع لبنان، ولا في حديثه عن معاناة الفلسطينيين، ولا عندما طالب باحترام القرارات الدولية، ولا حتى عندما طالب بحل الدولتين. وهو، في هذه الحالة، لم يكن ناقصاً للحيلة، لكنه فعل ذلك عن وعي وبصيرة، مع أنه ليس ماهراً في إخفاء أحلامه في بقية سطور خطابه.

حدّثنا جعجع عن اليوم التالي في لبنان، منطلقاً من أن العالم القوي سيغيّر المعادلات القائمة اليوم، وأن هذا العالم القوي سيتحدث معه عن مستقبل لبنان. لم يكن الرجل محتاجاً لأن يشرح لنا أكثر. فقد سبق لمتحدث باسمه أن قال صراحة إن هدف الحرب القائمة الآن ليس ضرب حماس في غزة، ولا حتى القضاء على حزب الله في لبنان، بل سحق إيران باعتبارها أمّ هذه الشرور. ومتى تنتهي المهمة، ستفرغ الساحة لرجال الأرز.

في هذه النقطة، لم يكن جعجع يهدّد العالم بالويل والثبور إن بحث اليوم التالي مع حزب الله، بل تحدّث، بثقة عالية وصوت مرتفع، بأن الأقوياء في العالم سيبحثون معه هو، مستقبل لبنان، ومع من يشاطره الفكر والرأي والمشروع. وربما هذا ما يساعدنا في فهم عدم إشارته إلى إسرائيل في أي موقع في خطابه. والسبب أنه، ببساطة، يراهن على ما ستحققه إسرائيل في الحرب القائمة، علماً أنه بسّط علينا الأمر عندما يعلن أن إيران وسوريا وحزب الله هم الأعداء الوحيدون للبنان، فعندها لا حاجة لنا لأن ننتظر منه إعلاناً بأن أعداء محور المقاومة، هم الحلفاء الذين يراهن عليهم من أجل قيامته الجديدة.

ذات مرة، سئل صانع أفلام إيطالي: كيف يمكن تفسير رواج فيلم ليست فيه صورة جيدة، ولا نص متماسك، ولا شكل منسّق لأزياء الممثلين، ولا حتى إبداع في الإخراج. فأجاب: في هذه الحالة، وجّهوا السؤال إلى عالم نفس أو عالم اجتماع، لأن البحث ينبغي أن يدور حول الجمهور، وليس حول العرض نفسه.

المشكلة مع جعجع، اليوم، أنه مقتنع بما يقول، وأنه مستعدّ لمغامرة جديدة. لذلك، ينصح الأطباء بعدم الاقتراب منه، وتركه ينتحر بعيداً عنا، وليطوّبه أنصاره قدّيساً إلى يوم الدين!