ككلّ اللبنانيين ترقّبتُ خطاب الدكتور سمير جعجع من معراب عصر الثالث من أيلول الجاري، ترقّبتُ الرّجل الذي أتابعه من العام 1986، والذي خبر أحلك أيام لبنان خلال الحرب الأهليّة وما بعدها، وبصدقٍ شديد ترقّبته في لحظة لبنانيّة شديدة حُلكة السواد، تُشبه تماماً توصيفه «الأفق شبه مقفل»، «يا خيّي اختنقنا» من هذا الواقع «المقرف» من سياسة «الاحتضار» الدائم، فلا نُترك لنموت ولا نُترك لنحيا، فـ»شو هالقدر»؟!
لا يوجد سياسي واحد يعطينا «عُقاد نافع»، ولا يوجد سياسي واحد يبثّ الأمل في نفوس اللبنانييّن، «تهبيط حيطان» ومزايدات وتهديدات ومناكفات ومكاذبات «يا خيّي كزّتْ نفسنا»، تعطيل يجرّ التعطيل وسياسة و»يا محلا» سياسة وضع العربة أمام الحصان لقد بلغنا مرحلة ربط العربة بحصانيْن يركضان باتجاهيْن متعاكسيْن،»ضاق خلقنا ولوووه»!
وبصدق أقول، كنتُ أرجو بارقة نور، «طاقة» أمل في خطاب «حكيم» معادلة «ما بيصحّ إلا الصحيح»، فالرجل الذي ذهب إلى النظارة وعاش 4114 يوماً تحت «ثالث» أرض صحّتْ معادلاته وقيمه وتشبثّه بلبنان «أمنا وأبونا» كما وصفه وكما ناشد اللبنانييّن في خطابه «كل مواطن لبناني للتشبث بأهله، وبيته، وأرضه ووطنه أكثر من أي وقت مضى، لأنّهم الآن بأمسّ الحاجة إليه، وأكثر من أي وقت مضى. أنا اليوم أدعو المواطنين اللبنانيين، وبالرغم من كل آلامهم وجروحاتهم وأوجاعهم، الى الصمود أكثر فأكثر لأننا بحاجة الى الصمود»، بصدق شديد بدا الدكتور سمير جعجع نقطة الضوء الوحيدة و»منطق الدولة» الوحيد في سواد الواقع السياسيّ اللبناني الذي نعيشه، والقادر الوحيد أيضاً على جعل التفاؤل يتنفّس من جديد في موات التشاؤم اللبناني العصيّ على الانكشاح!
نعيش واقع «ربع» و»نص» دولة لبنانيّة منذ اختطف الاحتلال الإيراني النّاعم ـ حتى الآن ـ لبنان وورثه بعد الاحتلال السوري الدموي، «طقّ قلبنا» وقدرنا يجرجرنا من احتلال إلى احتلال، والعالم تأخذه الغيبوبة الأميركيّة من أكذوبة القاعدة إلى أكذوبة داعش، والعرب على حالهم «غاشيين وماشيين» وتاركين لبنان لأقدار صنعتها «تخاذلاتهم» وحساباتهم الخاطئة، المنطقة كلّها في لحظة سواد، ومع هذا خطاب سمير جعجع يوم السبت الماضي بثّ التفاؤل واليقظة في نفوس كثيرين، «حدا بيقلّك.. حكيم»!
أعرف أن كثيرين تناولوا خطاب رئيس حزب القوات اللبنانيّة الدكتور سمير جعجع من مفاصل كثيرة، فقد «جَرَدَ» الحال السياسي اللبناني المقيت، فاستفاض هنا واقتضب هناك وجال على ملفّات المنطقة وعلّة عنوان محاربة الإرهاب ومكمن الخطأ فيها، و»كذبة» محاربة الإرهاب في سوريا، عناوين كثيرة ومع هذا ما كان يعنيني جداً كمواطنة مطحونة كسائر اللبنانييّن العالقين في «جورة» تشاؤم عميقة هو «تبشير» الدكتور جعجع بثورة آتية، اللبنانيّون مجمعون على أننا بحاجة إلى ثورة، ولكنّهم لم يجدوا رجلاً حكيماً واحداً يؤكّد لهم أنّ «الثورة» تبدّت تباشيرها وتلوح في الأفق، و»أنا أصدّق الحكيم» عندما يقول: «إنّ رياح التغيير التي هبّت على العالم العربي وأطاحت في طريقها رؤوساً كبيرة، ستهبّ على لبنان لتغيّر في الوضع القائم. إنّ من يحاول التحايل على الناس والتاريخ لتحنيط الزمن وتجميده في ثلاّجة مصالحه الشخصية فيعتقل روح شعبٍ توّاق للتغيير، إنّما هو يحفر حفرةً عميقةً ليقع فيها. إنّ شعبنا شبع مصادرةً لقراره وتقزيماً لدولته وخوضاً لحروب الآخرين على حسابه. إنّ شعبنا شبع فساداً واهتراءً وشللاً وتقنيناً وكساراتٍ وتلوّثاً ونفايات وتدميراً للحياة البيئية والاقتصادية، ولن يقف مكتوف اليدين أمام هذا الواقع المزري طويلاً. إنّي أرى بذور ثورة تتكوّن، ونحن مستعدّون لملاقاتها، لأنّ القوات تحمل بحدّ ذاتها بذور ثورة دائمة»، أمّا كيف ومتى ومن أين؟ فهذا سؤال ستجيب عنه الأيام من ضمن معادلة «ما بيصحّ إلا الصحيح» والثورة التي تتكوّن.