تلقّيتُ بالأمس اتصالات من أكثر من صديق ـ وللمناسبة جميعهم من أبناء «الطائفة السُنيّة» شُدّد عليّ فيها بأن أنقل رسالة للقوّات اللبنانيّة، لمعرفتهم بالصداقة التي تربطني بالصديقة العزيزة أنطوانيت جعجع المديرة الإعلاميّة لمكتب الدكتور سمير جعجع، وملخّص هذه الرّسالة، التمنّي بشدة على القوّات أن تكون داخل الحكومة إفشالاً لكلّ المخطّطات الساعية لضربها وإقصائها، لأنّ أصحاب هذه السياسة منتهى أمانيهم كان أن تُعلن القوّات بالأمس عزوفها عن المشاركة بالحكومة، ولكن «سوّد الله وجوههم وقبّحها» مع إعلان القوّات مشاركتها بالحكومة برغم أنف الكارهين!
وللأمانة، لم أنقل هذه الرسائل ـ التمنيات لرفيقتي الصّديقة أنطوانيت جعجع، ولسبب بسيط، فبالرّغم من كل القلق في انتظار موقف القوات اللبنانيّة، كنتُ مدركة أنّ «العقل الفيّاض» لحزب القوات اللبنانيّة الدكتور سمير جعجع مدركٌ لخطورة ما حيك ويُحاك وسيظلّ يُحاك ضدّ القوّات اللبنانيّة لإلغائها، وضدّه هو شخصيّاً، رغبة في «تحجيم» صورة «رجل الدولة» التي صدّقها ولمسها فيه اللبنانيّون ومن كلّ الطوئف، وأنّه لن «ينوّلهم» مآربهم، ليس سهلاً في بلد مثل لبنان أن تكون «قائداً» وأن تكون «حكيماً» في نفس الوقت، في بلد مرّ فيه على رؤوسنا قيادات منها من كان «مدمّراً مجنوناً» ومنها من كان متلوّناً كـ «الحرباء»، وهكذا…
القرار الذي اتخذته القوات اللبنانية قيادة وحزباً بالأمس جاء على قدر خطورة المرحلة لبنانيّاً وعربيّاً وإقليميّاً، وجاء أيضاً على قدر ثقة اللبنانيين بتجربة القوّات الحكوميّة خلال العامين الماضييْن، وهنا علينا التذكير بأنّ حكومة تصريف الأعمال هي حكومة «اتفاق معراب والتّسوية الرئاسيّة» وعمرها هي أيضاً عامان من عمر العهد، وإذا أراد البعض أن يضخّم ويفخّم ويعظّم، فالإنجازات التي تضاف «في جردة» إلى رصيد العهد، هي في الأصل إنجازات هذه الحكومة تحديداً، إلا إذا ظنّ البعض أنّه يطمس ويتجاهل الدستور اللبناني الذي ينصّ على أن الذي يحكم لبنان هو مجلس الوزراء مجتمعاً.
خير ما قاله بالأمس»الحكيم»:»ليس هناك من أعمال حقيرة وإنما هناك أناس حقيرون» لذا أريد أن أستعمل هذا المثل بتصرّف لأقول ليس هناك من حقائب وزاريّة حقيرة وإنما هناك أناس حقيرون»، هذا أفضل ما قيل ويقال في زمن «صعلكة» الوزارات وبعض «صعاليك الوزراء»، وللمناسبة وزارة العمل على سبيل المثال لا الحصر تهمّ اللبنانيين أكثر من سواها بكثير، خصوصاً وأن معاناتهم لا توصف بسبب مزاحمتهم في لقمة عيشهم بل خطفها من أفواههم وطردهم من وظائفهم واستبدالهم باليد العاملة السوريّة، هذه الوزارة تشكّل ملفّاً هائلاً لا يستطيع أن يقوم بأعبائه إلا حزب كالقوّات اللبنانيّة، ومع هذا تجد من يعتبر هذه الوزارة ضئيلة لأنّه ضئيل يبحث عن وزارة «مدهنة» يمدّ يده فيها «ليهبش» مال الشعب اللبناني، فيما تحكم القوات عقليّة الإنتاج و»الإصلاح» بكلّ ما للكلمة من معنى.
وفي بلد مثل لبنان لا يملك من رصيد أمام العالم إلا التباهي بأنّه بلد النّور والحضارة والرّسالة تصنّف بعض العقليات الجاهلة المريضة «وزارة الثّقافة» كوزارة ضئيلة فهل يملك لبنان إلا هذا الرصيد من الثقافة والفنون والأدب والشعر والموسيقى ليدّعي شرفه أمام العالم؟ هذه وزارة أولى لأنّها صورة لبنان الحضاريّة أمام العالم، ولكن ماذا نقول في»عميان البصر والبصيرة»؟ أمّا وزارة الشؤون الإجتماعيّة فهي تعني اللبنانيّين واللاجئين فيه أضعاف ما تعنيهم وزارة الطاقة مثلاً التي استنزفت خزينة الدولة اللبنانيّة، وهي مصدر الهدر الأول لميزانية الدولة، نريد وزارء منتجون لا وزراء ناهبون، ونقطة على سطر لبنان و»مغارة علي بابا»!
«عين العقل»، لا يوصف قرار «الحكيم» سمير جعجع وحزب القوّات اللبنانيّة بالمشاركة في الحكومة إلا بعيْن العقل، في بلد البعض فيه لا «عين» ولا «عقل» لهم!