حملت الذكرى السنوية لـ «شهداء المقاومة اللبنانية» في معراب بالأمس أكثر من رسالة، وفي اكثر من اتجاه، بحيث كانت متناغمة مع اللحظة التي تعيشها الساحة الداخلية من حيث المعاناة والأزمات المعيشية والخطر الشديد الذي بات يهدّد لبنان بالزوال بفعل الإنهيار الكبير، في حال لم يتم التقاط الفرصة الأخيرة للإنقاذ، ومن داخل لبنان وبمبادرة لبنانية بعيداً عن كل الأجندات الخارجية، تبدأ بتشكيل حكومة الإنقاذ الموعودة ولا تنتهي بالإصلاح وإعادة البناء.
وبصرف النظر عن الرسائل التي أُطلقها المطران حنا رحمة، والتي جاءت شاملة ووضعت الإصبع على الجرح بالنسبة لمعاناة اللبنانيين في كل المناطق والى أي طائفة انتموا، فإن أوساطاً سياسية مسيحية، قرأت في كلمة رئيس حزب «القوات اللبنانية» الدكتور سمير جعجع، الى أهالي الشهداء واللبنانيين، إصراراً على التمسّك بالأمل والرجاء، على الرغم من الإنهيار والإحباط وحال الذلّ التي يعيشها كل لبناني في هذه الأيام بفعل الأزمات الكثيرة المستفحلة، وعلى كل الصعد، وهو العنوان الأساسي لخارطة الطريق التي حملها عنوان هذه الكلمة وهو «الأمل وعدم اليأس»، وهي تتلاقى في الإتجاه مع موقف ممثل البطريرك بشارة الراعي، المطران رحمة، والذي أطلق صرخة في وجه كل مسؤول صمّت آذانه عن صرخات اللبنانيين الذين «يجوعون ويعطشون ويموتون ويُقتلون كل يوم فداءً لرئيس من هنا ومسؤول من هناك».
وبرأي الأوساط السياسية المسيحية نفسها، فإن الصعوبات التي تواجه كل مواطن اليوم، ليست بجديدة على المجتمع اللبناني عموماً، وليس فقط على المجتمع المسيحي، إذ أن الفقر والإنهيار المالي والخوف على المستقبل ومن الآتي بعدما خسر المواطنون كل شيء، كانت تفترض أن تكون أمامهم مبادرة ثقة وأمل بالمستقبل، وبالتالي، فإن الرسالة الأساسية التي تضمّنتها كلمة الدكتور جعجع «النارية»، ركّزت على النضال والشهادة والمقاومة وعدم الوقوع في الإحباط والصمود من أجل لبنان المستقبل، مهما كانت الصعوبات كبيرة، وهي من المؤكد تبقى «أقلّ بكثير من استشهاد الآلاف في حرب لا نقبل أن نعود إليها، وسنظلّ نسعى الى بناء دولة سيدة حرّة مستقلّة».
وبالتالي، فإن الإحباط، تضيف الأوساط السياسية المسيحية، هو السبيل إلى سقوط لبنان والتسليم بتحوّله إلى ساحة للتجاذبات الخارجية، ولذا من الضروري أن يتوحّد كل اللبنانيين، الى أي فئة انتموا، في وجه الذين سرقوهم وخربوا المؤسّسات وتسبّبوا بالإنهيار، وهم سبق وأن قاموا بذلك في ثورة السابع عشر من تشرين الأول 2019. مؤكداً أن «القوات لن تقبل أن يبقى الشعب اللبناني في القعر، في ظل مسؤولين غير مسؤولين». لافتاً إلى هشاشة السلطة الحالية، مطالباً بضرورة التغيير، الذي يبقى هو السبيل الوحيد لمستقبل واعد. متوجّهاً بالحديث إلى شعب 14 آذار، مؤكداً أن القوات ستبقى رأس الحربة أمامهم.
وانطلاقاً من هذا التوصيف، تؤكد الأوساط نفسها، أن جعجع، ومن خلال خارطة الطريق التي عرضها للخروج من واقع الأزمة واليأس والإحباط، ركّز أولاً وآخراً على مسؤولية ودور اللبنانيين قبل أية أطراف خارجية، وعلى أن هذا الهدف لا يتحقّق إلاّ من خلال بناء الدولة العادلة والمعبر إليها هو التغيير الديمقراطي، ومن خلال الإنتخابات النيابية المقبلة، والتي ستُشكل محطة أساسية للإنتقال إلى المرحلة الجديدة الموعودة.