نقطة مفصليّة أساسيّة في خطاب الدكتور سمير جعجع في ذكرى شهداء «القوات اللبنانيّة» حيث وضع حدّاً للالتباس وخيّر اللبنانيّين بين الدولة واللادولة، والباقي كان وصفاً لتأكيد وجهة نظره. فبعدما شرح ظروف استشهاده سأل جعجع: «لماذا قُتِل الياس الحصروني؟» ونحن بدورنا نسأل، هل قُتِل لخلافٍ على شيك بلا مؤونة أو لتعدّيه على عقار جاره أو بِقَصد سرقته أو… وهل مَن سَيُحاسِب قاتليه؟ هنا لُبّ القضيّة. مقتل «الحنتوش» هو رسالة لمن يهمّه الأمر، وسمير جعجع يهمّه الأمر، وهو الذي مرّ بكلّ معموديات النار وبكلّ التجارب ويُحسِن قراءة الرسالة من عنوانها، والرسالة واضحة.
إمّا ترضخون وتستسلمون لمشيئتنا وتأتون إلى الحوار بشروطنا وتنسون الدستور ومواده وشعاراتكم البالية كالديمقراطية والأخوّة والحُرّية والمساواة، وإلّا فنموذج الحصروني بانتظاركم. هنا تختلف المقاربات بين القادة والقيادات والأحزاب وصولاً إلى أفراد الشعب حسب جينات وتكوين كلّ فرد وكلّ قائد. تختلف بين منطق أبو الياس، في تحفة العمالقة الرحابنة في «صيف 840»: «مين ما أَخَد إمّي بصير عمّي»، «والإيد الْ ما فيك تْعَضّا بُوسْا ودعي عليها بالكَسر»، «الهريبة تلتين المراجل، بعدك شو بفيد النصر»، «ويا اَلف مرّة جبان ولا الله يرحمو»، «العين ما بتعلى فوق الحاجب العين ما بتقاوم مخرز»، «وعند تغيير الدول احفَظ راسك»… وبين كلام البطريرك الكبير الكاردينال صفير: «إذا خُيّرنا بين كلّ شيء والحريّة، نختار الحريّة»، وقد اختار سمير جعجع حرّية السجن لمدة 12 عاماً.
يعني الخلاف اليوم بين مَنْ يردّد: وداوني بالتي كانت هي الداء، وبين مَنْ يملك جرأة القول: «مَنْ جَرَّب مجرّب كان عقلو مخرّب». نحن جَرّبنا حُكْمَهُم وتحكّمهم وتسلّطهم فاختربت بيوتنا وسُرِقت خزينتنا وطارت ودائعنا ومدّخراتنا وانهارت مؤسساتنا ومدارسنا وجامعاتنا ومستشفياتنا وضماننا الاجتماعي، وانطفأت كهرباؤنا وفُخِتَت سدودنا وهاجرت أدمغتنا ومهارتنا، وأُرهِقَ قضاؤنا وذُلّ جيشنا بطعامه ورواتبه وآلياته ومحروقاته، ويريدون منّا صكّ براءة عن الماضي ومعاودة الكَرَّة مرّة أخرى لاستباحتنا ونهبنا وسرقتنا مِن جديد وكأنّ شيئاً لم يكن. لا يا سادة، لن نُلدَغ من جُحرٍ مرّتين، نحن مُصطفّون في مقلب الدولة مع سمير جعجع والقوات والكتائب والأحرار والتجدّد والنواب السياديّين المستقلين والتغييريّين، ومصطفّون مع كلّ لبناني مُؤمِن بأن لا قيامة لهذا الوطن من دون دولة فعليّة تبسط سلطتها على كامل أراضيها بقواها الذاتيّة حصراً، دولة يسمو قضاؤها فوق الجميع، فلا يكون هناك ابن ستّ وابن جارية، ولا ابن «محور» وابن متروك لقدره.
(*) عضو «الجبهة السياديّة من أجل لبنان»