يوم الأحد الماضي حلّت الذكرى الثانية لاغتيال الدكتور محمد شطح وكأنّ الزّمن الذي مرّ اثنتا عشرة سنة لا سنتين، ولولا تصدّر الدكتور سمير جعجع المشهد في مسجد محمّد الأمين، صلوات الله عليه ـ وحجم التصفيق الذي ناله الرّجل وحمل أكثر من رسالة وفي أكثر من اتّجاه، لقال كثيرون منّا أنّ كلّ الدّماء التي سُفكت اغتيالاً، ذهبت سُدىً وهباءً…
وبصرف النّظر عن الإشارة إلى تعريض «الحكيم» أمنه الشخصيّ للخطر، فالرّجل عاش معظم سنوات عمره في قلب الخطر، جاء وجوده في مسجد محمّد الأمين لا ليؤكّد فقط أمانة دماء شهداء ثورة الأرز في عنقه من دماء الرئيس الشهيد رفيق الحريري إلى الدكتور محمّد شطح، بل ليؤكّد أنّ سمير جعجع في هذه اللحظة «المارونيّة» المستعصية هو المرّشح الماروني الوحيد لرئاسة الجمهوريّة الذي يحظى بالقبول من «الطائفة السُنيّة»، حضوره كان بمثابة تصويت شعبي مباشر، وهذا يستدعي الكثير من الحذر في فرض مرشّح رئاسيّ مرفوض من هذه الطائفة عليها، ونتمنّى أن تكون هذه الرسالة وصلت.
والرّسالة الثانية التي أرساها تصدّر سمير جعجع المشهد في مسجد محمّد الأمين، صلوات الله وسلامه عليه، أنّ «الحكيم» أصبح من جهة أولى «عابر الطوائف» ومن جهة ثانية بات حجر الزاوية و»الرّكن الشّديد» الذي يلوذ به جمهور ثورة الأرز، أو جمهور 14 آذار 2005، أو غالبيّة الشعب اللبناني، باستثناء شعب «الوليّ الفقيه» في لبنان، ومن جهة ثالثة أنّه قائد المشهد اللبناني في هذه المرحلة وأنّ كلمته تقلق كثيرين لأنّها ستكون «القوْل الفصل» في مقبل الأيام، مع أنّ صمته أشبه بالدويّ الكبير الذي يغطّي لبنان، ومن جهة رابعة بات الرّجل رمز الصدق والمصداقيّة والمبادىء في ضمير اللبنانيّين.
طوال السنوات العشر الماضية ونحن نرصد مسيرة «الحكيم» ، منذ سنوات ونحن ندرك يقيناً أنّ الرّجل واصلٌ لا محالة إلى لحظة سيحقّق فيها كلّ ما كرّسه اليوم زعيماً وطنيّاً، بل سنقول أكثر من ذلك سمّوا لنا حزباً واحداً وقيادة واحدة استعصت على الوصاية السوريّة والنّظام الأمني كسمير جعجع والقوّات اللبنانيّة، كلّ التآمر والقمع لم ينجح في تدمير بنيتها ولا تدمير الرّجل…
وهنا؛ لا بُدّ لنا من إحالة القارئ إلى ما كتبناه في هذا الهامش في ثلاثية مقالات حمل الثاني فيها في 23 أيار 2013 عنوان: سميرجعجع يخوض حرب اللبنانيين مسلمين ومسيحيين، نفس العنوان هذا، اختصر يوم الأحد الماضي تصدّر سمير جعجع المشهد في مسجد محمّد الأمين، صلوات الله عليه، وثالثها في 24 أيار 2013 حمل عنوان: سمير جعجع رجاء جديد للبنان، أليس هذا ما يشعر به كثير من اللبنانيين في هذه المرحلة الحالكة لبنانيّاً وعربيّاً وإقليميّاً؟!
واسمحوا لنا هنا أن نستعير قليلاً ممّا كتبناه في هذا الهامش عشيّة ذكرى استقلال لبنان عام 2014 تحت عنوان: إستقلال لبنان.. أمانة سمير جعجع:
«أي سياسيين لأيّ إستقلال ولأي لبنان؟! كمواطنة لبنانية عادية بسيطة أعيش ككثير من اللبنانيين على حدّ شفرة انهيار لبنان، وعلى عتبة إحباط كبير يكادُ يكون كفراً بهذا الوطن الذي نعتقد يقيناً أنه قضاؤنا وقدرنا، نقلّبُ الوجوه كلّها، 8 و14 وقلوبنا يغمرها الأسى عشيّة وصبيحة الاستقلال السبعين لوطن لم يكن يوماً مستقلاً، رهنّاه لحساب كلّ مغامر ومقامر ومتاجر وفاجر، نقلّب الوجوه كلّها، ولا نجد بينها إلا وجه الدكتور سمير جعجع، وجه لبنان الحقيقي في هذه المرحلة، ورجُلُه الحقيقي في هذه المرحلة، وحكيمُه الحقيقي في هذه المرحلة، رجلٌ له وجه واحد وكلام واحد وصوت واحد، وهو خامة لبنانية أصيلة، وقامة لبنانيّة ما زالت صامدة على موقفها لم تتزحزح منذ ثلاثين عاماً، قيادة لا تغيّر جلدها ولا تلوّنه ولا تتزحزح قيد أنملة عندما يتعلّق الأمر بلبنان. «تباً للمحاور»، وتباً لخاطفي الوطن وشعبه، وتباً للممانعة وللاعتدال وللمفاوضات والصفقات، في هذا الظلام اللبناني الدامس لم يعد هناك من نثق به ونأتمنه على لبنان وشعبه وسيادته وحريته واستقلاله إلا الدكتور سمير جعجع، وسط وجوه كثيرة خيّبت آمالنا وكفرنا بها وبتبعيتها منذ 14 آذار العام 2005 وحتى ذكرى استقلالنا السبعين!!»، هذا كان حال المشهد اللبناني منتصف العام 2014، المشهد اليوم أسوأ بكثير، ونتساءل أيّ حال هذه التي أمسينا عليها بعد سنوات عشر من التقتيل في رجالات لبنان ؟!