Site icon IMLebanon

حين أسقط سمير قصير تمثال حافظ الأسد

 

 

هرب الأسد الابن من سوريا، بعد أن تركها غابة تستبيحها وحوش أجنبيّة فارسيّة، تركيّة، روسيّة، قبلها كان الأسد الأب قد رسم هذه الغابة وغطّاها بمصانع ومبانٍ ولفّها بحزام بؤس يسمّى اليوم بـ “ريف دمشق”، علميّاً تسمّى هذه الحالة في علم الاجتماع السياسي “ترييف المدينة” أمّا في السياسة فاسمها “حالة الطوارئ”، أوهم حافظ الأسد الشعب السوري طوال ثلاثين عاماً من حكمه العسكري لدمشق أنّ الشام في حالة من الحرب، أخرجها من شعريّة أبي تمّام، وشجن الحمداني، وفلسفة المعرّي، وياسمين نزار قبّاني ورماها في سلّة مظلمة من الخطابات التي حقّقت له كاريزما “الأمير”.

 

 

الأسد الابن كان أكثر ديناميّة ومباشرة، لم يمتلك بلاغة ولا أثراً خطابيّاً خصوصاً أن لدغته تثير الضحك وحديثه حول فلسطين يؤكّد انفصاله عن محيطه السياسيّ، الأسد الابن ورث تجّار الشام وحلب واقتصاد الساحل ليكونوا خواتم في أصابعه، وأمعن في الاغتيالات السياسيّة والاعتقالات.

 

 

سياسة الأسد الابن لم تكن سوى تأجيل للهروب، تأجيل لانهيارات دراماتيكيّة تنضوي تحت عنوان رواية خالد خليفة “مديح الكراهيّة”، الشعب السوري يمدح كراهيّة آل الأسد منذ مجزرة حماة عام 1982 وحتى ربيع 2011 الذي بشّر به المفكّر سمير قصير الذي اغتيل في عهد جلاء وصاية الأسد الابن عن لبنان. قصير بشّر بكتبه، وتحديداً في”تأمّلات في شقاء العرب” حيث طرح المعضلة القائمة بين العلمنة والإسلام السياسي في الشرق الأوسط وفي “عسكر على مين” حيث النقد الحادّ ضد النظام العسكري، بربيع يعانق بيروت ودمشق. حين يرسم المثقّفون ربيع مناطقهم يواجههم الطغاة بعواصف القتل والتهديد.

 

 

 

لم يكن ربيع سمير قصير تهديداً لنظام حافظ الأسد فقط بل إسقاطاً لروحيّة تماثيله التي تتكلّم بلغة صامتة مشبّعة بالخوف حين يفكّر أحد العابرين في درعا أو حمص أو دمشق في التحديق بها.

 

اليوم عرفنا لماذا قتلوا سمير قصير؟ كي يكسب الأسد الابن المزيد من الوقت قبل أن يهرب من دمشق وفقاً لشبكة “سي أن أن” نحو إيران وفقاً لما أوردته وكالة بلومبرغ، الأسد الابن لم يغادر اليوم بل قاصصته أرواح وأفكار مثقفين مثل كمال جنبلاط، برهان غليون، سمير قصير، ميشيل كيلو، زياد ماجد، حازم صاغيّة، جبران تويني، لقمان سليم وغيرهم، أفكار علقت في عقول شريحة من المعارضين الذين يقاتلون اليوم ليحرّروا دمشق من عبث تماثيل حرّض سمير قصير يوماً ما في عام 2005 وهو يرتدي شال انتفاضة الاستقلال المضمّخ بالدم على كسرها قائلاً: “ليس الإحباط قدراً” ولم يكن.