بالأمس مرّ أحد عشر عاماً على استشهاد سمير قصير، صانع 14 آذار العام 2005، ونافخ الروح فيها وفي شعب ثورة الأرز، المفكّر الرؤيوي وصاحب تاريخ بيروت وعاشقها، الصارخ الأول في وجه النظام الأمني «عسكر على مين» يوم كان عسكر المخابرات يطاردونه وزوجته الزميلة جيزيل خوري في شوارع بيروت، من سهرة إلى ندوة إلى مطعم إلى باب المبنى وباب البيت، والواقف الأول في وجه نظام بشار الأسد والمتنبّىء الأول بأن ربيع بيروت هو ربيع دمشق، في 5 آذار العام 2005 وقف بشار الأسد في مجلس الشعب ليسخر من اللبنانيين المحتشدين في ساحة الحرية شرح «لنواب التصفيق للنظام» نظريته الساخرة العظيمة وقال: «حتى فى الكاميرات كانوا دائماً يركزون على المركز لأنهم إذا وسعوا ساحة التصوير سنكتشف أنه لا يوجد آخرون على المحيط، هذه لعبة الزووم بالكاميرا»، خرج سمير قصير ليردّ عليه قال للبنانيين، بشّار الأسد يسخر من أعدادكم، أنتو مش عاجبينو «كبّرولو الزووم»، وفاضت ساحة الحريّة باللبنانيين…
بالأمس مرّ أحد عشر عاماً على غياب سمير قصير، لو كان هنا بالأمس، لكان قال الكثير، ولكان اللبنانيون سمعوا له، كان نبض الشارع، وكان القائد الحقيقي على الأرض، وبالأمس أيضاً وعبر تطبيق «الواتس أب» تلقيتُ من صديق في الإمارات سؤالاً مصحوباً بهذ الجملة «يا شماتة حزب الله فينا»، أمّا السؤال فكان: «ماذا يحدث بين الحليفيْن الرئيس سعد الحريري والدكتور سمير جعجع»؟ صِدْقاً؛ لم أعرف بماذا أجيبه، من تابع مواقع التواصل الإجتماعي ووصلات الـ»رَدْح» بين القواعد الشعبيّة، أصيب بحزن شديد، فكُلّ حريق اندلع وكيلت فيه التُّهم يميناً وشمالاً إلا أنّ كلّ تراشقٍ اندلع كان ينتهي بجُمَلٍ من نوع «حبيبي خيّي (…) أنت تعرف كم نحبّ الشيخ سعد، ولكن؛ وتكرُّ سبحة عتب»، وتتكرّر نفس الصيغة ثانية «حبيبي خيّي (…) أنت أيضاً تعرف كم أحبّ الحكيم»، وفي وسط التراشق طُرِحَ تحدٍ واحد: «قلّي هلق مين مرشحك لرئاسة الجمهوريّة؟ يجيب الطرف الآخر «الحكيم» ويجمع الطرفان أنّ كليهما لا يريدان لا سليمان فرنجية ولا ميشال عون رئيساً للجمهوريّة… «يا جماعة الخير… لوين آخدين البلد»؟!
غمرني حزنٌ شديد بالأمس، كلّ هذا التراشق لا تُلام عليه القواعد الشعبيّة عندما يبدأ توقِدُ «تغريدةٌ» على توتير نيران النيران، ألم يعد هناك من متسع لغرفة في بيت الوسط ولا في قلعة معراب ليجلس الرجلين معاً، ولم يعد مقبولاً أن ينعقد اجتماع على مستوى أقل من مستوى القيادتيْن، لوضع حدٍّ لهذه المناكفات، لم يعد مقبولاً أن تتعرّض القواعد لخضّة تلو الأخرى، القاصي والدّاني يعرف حجم إخلاص ووفاء الدكتور سمير جعجع لثورة الأرز، وحجم التضحية التي قدّمها في سبيل لبنان السيد الحر المستقل منذ دخوله السجن ظلماً وعدواناً لمجرّد مطالبته بتطبيق اتفاق الطائف، وكلّنا يعرف حجم الخسارة الكبرى التي دفعها لبنان والرئيس سعد الحريري باغتيال الرئيس رفيق الحريري، وبصدق شديد لبنان لا يستقيم إلا بجناحيه سعد الحريري وسمير جعجع، نرفض أن يذهب أحد عشر عاماً من النضال والشهداء سدىً، ولا نريد هنا أن نقرأ «مزمور» الوفاء لثورة الأرز ودماء شهدائها، حرام أن تُراق عند قدميْ «تسوية» ولدتْ ميتة تُدمّر نضال شعب 14 آذار تحت عنوان سليمان فرنجية الذي عين اللواء علي الحاج مديراً عاماً لقوى الأمن الداخلي واستبدل معظم الضباط المقربين من الرئيس الشهيد رفيق الحريري قائلاً: «أنا ما بشتغل إلا بعدّتي»، وهو نفسه الذي أصدر تعليماته في 27 شباط 2005 بمنع التظاهر في ساحة الحرية، في محاولةٍ أخيرةٍ لإنقاذ آخر حكومات النظام السوري قبل إسقاطها من قبل اللبنانيين في اليوم التالي لقرار سليمان فرنجية!!
سمير قصير كان هنا، وفي آخر مقالة كتبها قال لنا «ليس الإحباط قدراً»، لو كان سمير قصير بيننا بالأمس، ما الذي كان ليفعله وسط هذا التراشق بين قواعد حلفاء أقسموا على أن لا يفرطوا بدماء شهداء الأرز، ففرّط من فرّط، وارتدّ من ارتدّ، نريد لبنان وثورة الأرز، ولا نريد سليمان فرنجية ولا تسويته، إذهبوا إلى انتخاب العماد قهوجي، أريحوا دماء الشهداء، وأريحونا.