منذ اعتقاله في السعودية قبل أكثر من شهر، لم تُعلن سلطات الرياض سبب توقيفه، ولا سمحت له بتوكيل محامٍ للدفاع. أشاع النظام في الرياض «خبريات» كثيرة عن سبب التوقيف. لكن مصادر خاصة أكّدت لـ«الأخبار» أن اعتقال سمير صفير جرى على خلفية مواقف سياسية سبق ان عبّر عنها في مقابلة تلفزيونية
مرّ أكثر من شهر على اعتقال قوات الأمن السعودية الملحّن اللبناني سمير صفير من دون أن يُعرَف مصيره. لم تكشف مملكة آل سعود عن الاتهامات الموجّهة ضده حتى، تاركة المجال لبضعة مغردّين لفبركة روايات كاذبة عن تورطه في تهريب المخدرات وحفلات مجون واتهامات أخرى على شاكلة الخبر العاجل الذي نشرته قناة «العربية» عن وجود معلومات عن تورط وزير الخارجية اللبناني شربل وهبة في تهريب المخدرات. قد يخيل للبعض أنها نكتةٌ سمجة، لكنها تُعبر عن عقلية تُبيح فبركة أي جرم لكل شخص تعتبره المملكة السعودية مسيئاً لها، من دون أي رادع.
في قضية صفير وفي غيرها، ورغم أنّ أبسط حقوق الإنسان تفرض أن تُبلّغ عائلة المعتقل بالاتهامات المساقة ضده، إلا أنّ ذلك مُحرّمٌ في بلاد الحرمين الشريفين. ليس لدى السفير السعودي في لبنان وليد البخاري أي معلومات. كما أنّ الاستخبارات السعودية رفضت التجاوب مع أسئلة الأجهزة الأمنية اللبنانية بخصوص الملحّن المخطوف. رسائل واستفسارات ضباط الأجهزة الأمنية اللبنانية قوبلت بالتكتَم: «محظورٌ علينا تزويدكم بأي معلومة بشأنه». كذلك تمنّع القنصل والسفير السعوديان عن الإجابة على هذا السؤال رغم مراجعتهما. وعلمت «الأخبار» أن وزير الخارجية شربل وهبة كان قد بعث بمذكرة استفسارية إلى وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان وإلى كل من السفير اللبناني في الرياض والقنصل في جدة، إلا أن الخارجية السعودية لم تُجِب. وقد ردّ السفير اللبناني في الرياض بأنّ الأمن السعودي سمح لصفير بالتواصل مع زوجته، لكنه لا يزال ممنوعاً من توكيل محامٍ وممنوعٌ عليه الزيارات ريثما ينتهي التحقيق.
أمام هذه السرية المطلقة قد يعتقد كثيرون أنّ صفير ارتكب جناية لا تُغتفر أو تورط في جريمة تمسّ بالأمن القومي أو انضوى تحت لواء جماعة إرهابية تخطط للقيام بتفجيرات في أرض نجد، إلا أنّ معلومات «الأخبار» بيّنت أنّ صفير معتقلٌ في السعودية لارتكابه جرم التعبير وفعل القول. وفي هذا السياق، تكشف مصادر خاصة لـ«الأخبار» أنّ قوَة من الجهاز الامني السعودي المختص بمكافحة الإرهاب – مكتب الإرهاب اعتقلت سمير صفير في ١٩ نيسان عند الساعة الثانية بعد الظهر. وبحسب المصادر، فقد عمد الأمن السعودي إلى سحب الكاميرات المحيطة بمنزل صفير وأوقفوا حارس المنزل ريثما يصل «المطلوب» ليُصار إلى اعتقاله في اليوم نفسه. كما أنّ آخر تغريدة لصفير كُتِبت في ذلك اليوم.
لم تُجِب الخارجية السعودية واستخباراتها على استفسارات الخارجية والاجهزة الأمنية اللبنانية بشأن صفير
وعلمت «الأخبار» أنّ صفير اتّصل بزوجته مرتين. الأولى فجر ٢٠ نيسان أي في اليوم التالي لتوقيفه، طمأنها إلى حاله وأبلغها أنّ عناصر الأمن زوّدوه بأدويته، وأنه موجود في سجن الذهبان، قبل أن يُقفل خط الاتصال. أما المرة الثانية فكانت قبل عشرين يوماً من اليوم بتمام الواحدة فجراً أيضاً. مدة الاتصال كانت دقيقتين، سألها فيها عن حالها وإن كانت لا تزال في المنزل في السعودية، ثم أخبرها أنه موجود في السجن بسبب شيءٍ كتبه وقاله.
لم يمسّ صفير الذي «يُقدّس الرئيس ميشال عون» كما يقول، بالذات الملكية السعودية، إنما تكشف المصادر أنّ الأمن السعودي ضبط لصفير مواقف لم تُعجِب «أولي الأمر». بدأت القصة بعد نشر صفير المقيم في السعودية صورة أثناء تلقيه لقاح كورونا وأرفقها بتغريدة يشكر فيها ولي العهد السعودي على منحه اللقاح. هذه الصورة دفعت بمغردين سعوديين إلى البحث في أرشيف صفير ليُطلقوا هاشتاغ #طرد_سمير_صفير_مطلب. أُطلِق هذا الهاشتاغ في كانون الثاني من العام الجاري. وقد نكش هؤلاء فيديو لصفير أثناء مقابلة قديمة على قناة otv يتهكّم فيها على حكام السعودية. يومها قال صفير معلقاً على حرب اليمن بمطالبة الرياض بإطعام الجياع بدلاً من قصف الأبرياء، واستهزأ بالسعودية لناحية معرفة طياريها بقيادة الطائرات. وعلمت «الأخبار» أنّ لبنانيين مقيمين في السعودية على خلافٍ مع صفير يقفون وراء نبش تغريداته ومقابلاته السابقة لتأليب الرأي العام السعودي ضده لترحيله.
كذلك عُثر له على مواقف له تُدين التطبيع وتدعم المقاومة وحزب الله. كما ان هناك أكثر من منشور له يعلن فيه عن محبته للسيد حسن نصر الله وحزب الله. هذه المواقف في «مملكة الخير والمحبة» تعتبر مسّا بالأمن القومي السعودي تستوجب عقاباً كبيراً. لذلك فقد وُضِع في سجن المباحث العامة (الذهبان) في جدّة على خلفية تغريداته ومواقفه التي اعتُبرت معادية للسعودية، علماً أنّه مقيمٌ في السعودية منذ نحو 9 أشهر بشكل متواصل. كما أنه بدأ يتردد إليها منذ نحو خمس سنوات حيث افتتح مطعماً هناك.
انقطعت أخبار صفير عن عائلته منذ أكثر من عشرين يوماً. لم يعاود الاتصال بها بعد اتصاله الثاني. ولم يعرف أفراد العائلة شيئاً عن مصيره بعد. ففي بلاد قطع الرؤوس في الساحات العامة يُحظّر على أحدٍ السؤال عن موقوف لا يُعرف جرمه. حتى السؤال يُعدّ جريمة هناك.