IMLebanon

سقوط صنعاء يمهّد لحرب أهلية!

«هذا جزء من النصر الباهر والمؤزّر الذي تدعمه ايران». بهذه العبارة المشجّعة علق الرئيس حسن روحاني على النبأ الذي حملته وكالات الأنباء حول اجتياح الحوثيين العاصمة اليمنية صنعاء.

ورأى المعلقون في هذا الانتصار، السياسي والعسكري، موقعاً متقدماً يضاف الى المواقع الحليفة التي غرستها طهران في العراق وسورية ولبنان وغزة والصومال.

وكتب البعض يذكّر بالهزيمة التي مُني بها جمال عبدالناصر بعد حرب اندلعت عام 1962 واستمرت ثماني سنوات، وقد تحولت خلال تلك الفترة من مشكلة محلية الى قضية إقليمية، خصوصاً بعد دخول مصر والسعودية في حرب غير معلنة، استدعت التدخل الخارجي.

الاتحاد السوفياتي كان في طليعة القوى التي رحبت بانقلاب عبدالله السلال في حينه، كونه ألغى الإمامة واستعاض عنها بنظام اشتراكي. وبما أن سياسة موسكو كانت تقضي بدعم الأحزاب الاشتراكية اليسارية في البلدان العربية، فقد رأت في الانقلاب مدخلاً لتهميش النفوذ الغربي في منطقتي الخليج والمحيط الهندي.

وبين المظاهر الدامغة التي أكدت اهتمام القيادة السوفياتية بانقلاب اليمن، إسراع موسكو الى الاعتراف بنظام الحكم الجمهوري عقب إسقاط نظام الإمامة بثلاثة أيام فقط (29 ايلول-سبتمبر 1962).

وقد اختفى، مع انقلاب عبدالله السلال، نظام حكم الإمامة الزيدية. وهو حكم يرجع تاريخ ظهوره الى عام 897 (م). وكانت الأعراف تقضي بأن يكون الأئمة من أتباع الطائفة الزيدية الاسلامية المتحدرة من صلب الإمام زيد ابن الإمام علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب.

وعلى رغم تزايد المجتمع القبلي في اليمن، إلا أن الإمام يحيى حميد الدين نجح عام 1904 في توحيد الزيديين (الشيعة) والشافعيين (السنّة) تحت سلطته. وقد استغل انهيار الامبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى ليثبت سيطرته الدينية والدنيوية على كل المحافظات، أي المحافظات الست التي تتبع إدارة الحكومة المركزية في صنعاء.

وفي عام 1951 وقّع الإمام أحمد معاهدة لتحسين العلاقات مع الحكومة البريطانية في عدن. ولكنها فشلت في تحقيق التقارب بسبب القضايا الاقليمية غير المستقرة بين صنعاء وعدن.

عام 1956 أرسل الإمام أحمد إبنه ولي العهد محمد البدر في جولة على دول المنظومة الاشتراكية، بغية الحصول على مساعدات عسكرية واقتصادية تعينه على تهدئة الأوضاع المحلية المقلقة. خصوصاً بعد نجاته من محاولة انقلاب بواسطة خلية ناصرية في الجيش بقيادة شقيقه عبدالله والعقيد أحمد الثلايا.

ولما تكشفت خفايا الانقلاب الفاشل، وعلم الإمام أحمد بأن جمال عبدالناصر هو الذي شجعها، كتب قصيدة ينتقد فيها الاشتراكية ومصادري أملاك الشعب الذين يحللون ما حرَّمَه الإسلام. وتناقلت تلك القصيدة الهجائية وسائل الإعلام المحلية والعربية.

وبعد مضي فترة قصيرة حدث انقلاب عبدالله السلال، الأمر الذي اعتبره الإمام أحمد انتقاماً للقصيدة الاستفزازية. علماً أن مصر خلال تلك المرحلة كانت مهتمة بنشر نفوذها في منطقة الخليج العربية، كمحاولة جدية للسيطرة على أضخم احتياطي نفطي في العالم. وتبيَّن من مراجعة خطب عبدالناصر في ذلك الحين، رغبته الجامحة في زعزعة أنظمة لا تنسجم سياستها مع تطلعاته وطموحاته.

والثابت أن موسكو كانت الجهة المستفيدة من ذلك الانقلاب، تماماً مثلما تستفيد طهران من انتصار وكلائها وأنصارها جماعة عبدالملك الحوثي. وهو شقيق حسين بدرالدين الحوثي الذي يُعتَبَر المؤسس لهذه الجماعة عام 2004 في بلدة «مران». ولما قتِلَ في كمين نصبه له الجيش، تولى شقيقه عبدالملك مسؤولية الزعامة بدعم من طهران ومساندتها العسكرية والسياسية والمالية.

لهذه الأسباب وسواها، لم تخفِ طهران ترحيبها بانتصار جماعة «أنصار الله» الذي يمثلون في اليمن إحدى الأذرع الطويلة للاستراتيجية الايرانية.

واللافت في الأمر أن تعليقات المسؤولين الايرانيين لم تعبّر عن سعادتهم بالانتصار على الدولة… بمقدار ما عبَّرت عن فرحهم بإزعاج المملكة العربية السعودية. وقد تجلت عبارات التهديد والوعيد عبر التسجيلات التي صدرت عن العميد محمد رضا نقدي (قائد قوات «الباسيج» التابعة لـ «الحرس الثوري»)… وعلي رضا زاكاني، النائب في البرلمان، الذي أعلن «ان انتصارات جماعة الحوثي في صنعاء ستنتشر قريباً في المملكة العربية السعودية».

واعتُبِرَت هذه التعليقات الاستفزازية الرد السريع على كلمة وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، التي ألقاها أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. ومما جاء فيها: «إن السعودية تشعر باستياء وغضب شديدَيْن حيال تطور الأحداث الأخيرة في اليمن، وسقوط صنعاء بيد الحوثيين، واستيلائهم على مراكز السلطة والجيش».

ومن المؤكد أن الأمير سعود الفيصل كان قد أطلق هذا التحذير السياسي بعد فشل المبادرات السلمية التي تبنتها المملكة منذ قبولها بشرعية النظام الجمهوري في اليمن. وكان ذلك في عهد والده الملك فيصل، الذي بادر في 8 نيسان (ابريل) 1970 الى الاعتراف بنظام الحكم في اليمن الشمالي. واعتبر ذلك الاعتراف بمثابة جسر التواصل والتوافق بين الجانبين الملكي والجمهوري، الأمر الذي أدى الى توقيع إتفاقية المصالحة الوطنية.

وفي غمرة البحث عن حل جديد، غير الحل الذي اقترحه الرئيس عبد ربه منصور هادي، باشر تنظيم «القاعدة» نشاطه الارهابي ضد الحوثيين باستهداف مستشفى في محافظة مأرب، وقع فيه العشرات من القتلى والجرحى. كذلك هدد التنظيمات الأخرى بعمليات نوعية تخرج الحوثيين من صنعاء، وتمنع تنفيذ مخطط ايران القاضي بتوسيع نفوذها في شمال اليمن.

ويرى المراقبون في استئناف نشاط «القاعدة» مدخلاً لإشعال حرب أهلية بين الحوثيين من جهة، وأنصار «القاعدة» من جهة أخرى. وعلى هامش هذين الفريقين، يطل شبح «الانفصاليين» عبر قيادات جنوبية يتزعم حركتها علي سالم البيض الذي يحتمي في لبنان بـ «حزب الله» و «الحرس الثوري» الايراني.

وعلى رغم انتمائه الى المذهب السنّي، فإن نائب الرئيس السابق علي سالم البيض يتمتع برعاية خاصة من جانب قيادة «حزب الله» في لبنان. وهو يبث عبر قناة خاصة تدعى «عدن لايف».

كذلك تملك جماعة الحوثيين قناة تلفزيونية تسمى «المسيرة»، تم تأسيسها في جنوب لبنان. وهي تبث برعاية «حزب الله» وإشرافه. وقد أعربت قيادات 14 آذار عن استنكارها لهذه الرعاية، لأن «حزب الله» لا يحارب مع نظام الأسد فقط… وإنما هو يدعم الحوثيين في اليمن، الأمر الذي يشجع دول الخليج وتنظيم «القاعدة» على الانتقام من الدولة اللبنانية واللبنانيين!

عند حلول الذكرى الأولى لتصفية أسامة بن لادن (الأول من أيار – مايو 2012)، حذرت الصحف الاميركية من احتمال حدوث عملية مدوية تقوم بها «القاعدة» للتذكير بمقتل المؤسس في باكستان. وبالفعل، أحبطت أجهزة المخابرات الاميركية عملية إسقاط طائرة مدنية في أجواء الولايات المتحدة. وتبيَّن أثناء التحقيق أن الانتحاري الذي جنّدته «القاعدة» كان يحمل مادة متفجرة في ملابسه الداخلية.

وقالت الصحف الغربية في حينه إن تزايد الإعداد لعمليات من نوع «لوكربي» يؤكد فشل حكم الرئيس السابق علي عبدالله صالح وخلفه عبد ربه منصور هادي.

وتزعم وكالة الاستخبارات المركزية (سي آي ايه) أن أعمال الارهاب ضد الولايات المتحدة أوصى بها أسامة بن لادن. ووفق رسائل وضعت اليد عليها في منزله بعد تصفيته، فهو يطلب من زعيم «القاعدة» في شبه الجزيرة العربية، ناصر الوحيشي، متابعة نشاطه ضد الاميركيين… والتخفيف عن السكان المحليين. وقد أعرب في تلك الرسائل عن رغبته في نقل «الجهاد الأفغاني» الى مسقط رأسه حضرموت.

وقد تحدث عن الأسباب الحقيقية التي تكمن وراء حرص بن لادن على انتقال المدعو أبو مصعب السوري الى اليمن. ففي كتابه «مسؤولية أهل اليمن تجاه مقدسات المسلمين وثرواتهم»، ينبّه الى أهمية الحصانة الطبيعية التي يكتشفها المقاتل في الجبال.

وتمثل الجبال في نظره قلعة حصينة لأهل الجزيرة. فضلاً عن امتلاك اليمن حدوداً مفتوحة تزيد على ثلاثة آلاف كلم، وتتحكم بمضيق باب المندب، أحد أهم المنافذ البحرية.

وبوحي من رغبة أسامة بن لادن، قامت زوجته الخامسة والأخيرة، أمل الصدّاح، بمسعى مع السفارة الباكستانية في اليمن، من أجل الانتقال برفقة أبنائها الى صنعاء.

ويُشار في هذا السياق، الى أن أمل تزوجت من أسامة قبل سنة من أحداث 11 ايلول (سبتمبر)، وأنجبت منه بنتاً تدعى صفية. ثم انتقلت معه الى قندهار جنوبي أفغانستان، قبل لجوئه الى باكستان حيث لقي مصرعه في عملية اغتيال نفذتها فرقة اميركية.

بقي السؤال المتعلق بمستقبل اليمن عقب حروب بين الدولة والحوثيين استمرت عشر سنوات. إضافة الى حرب متواصلة بين الجيش النظامي وعناصر «القاعدة» منذ خمس عشرة سنة.

وفي وصف كتبته مجلة «الايكونوميست» عن اليمن، ذكرت أنه البلد المثالي لحَمَلة السلاح والخارجين على القانون. بل هو، في نظر المجلة، المأوى الحصين للإرهابيين والمتمردين بسبب وعورة أرضه وصلابة شعبه المدجج بالسلاح الى حد لا يوصف.

وتابعت المجلة تقول: «يعيش نحو أربعين في المئة من اليمنيين على دخل لا يزيد على دولارين في اليوم الواحد. وهذا الأجر لا يكفي لشراء وجبة قات واحدة. وبسبب الحروب الأهلية المتواصلة، فقد وصل عدد المشردين الى 400 ألف نسمة. لذلك تقضي حاجة هؤلاء المشردين بالانخراط في صفوف المقاتلين بحيث يتقاضون 150 دولاراً في الشهر. وهذا يعتبر الدخل الثابت في بلاد تعيش، مثل أفغانستان، على هامش حروبها الأهلية».

ومع اندلاع الحرب ضد «داعش» في سورية والعراق، يزداد تورط الدول الاقليمية والدولية في هذا النزاع الطويل. في حين تتوقع الأمم المتحدة انفجار نزاع جديد في اليمن يتناوب على جولاته مقاتلو «القاعدة» وجماعة «الحوثيين» ودعاة الانفصال في عدن.

وهذا معناه ازدياد خطر انجرار المجتمعات العربية الى نزاع متفاقم ربما تكون سورية ساحته الثالثة!