قبل يومين على موعد استشارات التكليف الملزمة المقرّرة بعد غد الخميس، لا تزال الصورة ضبابية ورمادية، على حدّ ما يُنقل عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، ويتجاذب هذا الاستحقاق احتمالان: إما صيرورته الى تأجيل جديد، وإما انجازه في موعده، لينسحب ما اعتراه ويعتريه من عقد وعقبات، على استحقاق التأليف، وكأنّ البعض، وربما الجميع، يريدون امرار الوقت الى حين عبور الاستحقاق الرئاسي الاميركي في 3 تشرين الثاني المقبل.
من يتوقعون التأجيل الجديد يستندون في رأيهم والتوقعات، الى انّ رئيس الجمهورية العماد ميشال عون يشعر بأنّ هناك من يحاول محاصرته من خلال التكليف والشروط المطروحة للتأليف، وانّه في هذه الحال لن يتوانى عن تأجيل هذا الاستحقاق، لمنع محاصرته، ومستنداً الى دعم القوى الحليفة له في هذا الاتجاه.
أما الذين يستبعدون التأجيل فإنّهم يستندون في موقفهم الى انّ الانهيار الاقتصادي والمالي السائد، يفرض ضرورة ان تكون للبلاد حكومة فاعلة، توقف هذا الانهيار، مستفيدة من المبادرة الفرنسية التي تشكّل في رأيهم «فرصة ثمينة» لا ينبغي التفريط بها وتضييعها.
كذلك يستند هؤلاء الى وجود ضغوط اميركية وفرنسية كبيرة تدفع الى إنجاز التكليف المؤجّل من الاسبوع الماضي، ويقولون، انّ الفرنسيين والاميركيين متفقون استراتيجياً على انّ لا مصلحة لهم في إنهيار لبنان. ويعتقد هؤلاء المتفائلون بحصول التكليف ايضاً، انّ لدى فرنسا وواشنطن اوراقاً يمكنهما ان تلعبانها من أجل إخراج الاستحقاق الحكومي اللبناني من عمق الزجاجة الذي آل اليه، ومن هذه الاوراق، العودة الى سياسة العقوبات التي كانتا اتفقتا على تجميدها اثر انطلاق المفاوضات اللبنانية ـ الاسرائيلية بوساطة الاميركيين في شأن ترسيم الحدود البحرية والبرية، والتي على أثرها تحرّك الملف الحكومي مجدداً، وبادر الرئيس سعد الحريري الى ترشيح نفسه لرئاسة الحكومة، بعد تمنّع دام ما يقارب السنة إثر استقالته بعد انتفاضة تشرين الاول بأيام عام 2019.
وحسب مطلعين، فإنّ ترشيح الحريري «جاء ليشكّل عنوان توافق فرنسي ـ اميركي ـ سعودي، لكن الحاصل، انّ الخلاف المسبق الدائر حول التأليف هو الذي يعوق التكليف حتى الآن. فبينما معظم القوى السياسية رحّبت بترشيح الحريري على قاعدة تأييدها المبادرة الفرنسية كحلّ للأزمة، انبرى «التيار الوطني الحر» و»القوات اللبنانية» الى اعلان رفضهما تسمية الحريري، «التيار» لاعتراضه على طرح الحريري تأليف حكومة اختصاصيين برئاسته وهو ليس بإختصاصي، و»القوات» لمطالبتها بحكومة مستقلين عمّا تسمّيها الاكثرية الحاكمة، لانّه لا يمكن تحقيق اي اصلاح في ظلّ هذه الاكثرية.
وفي هذا السياق، يقول ديبلوماسي مخضرم، انّه في حال استمر الاستحقاق الحكومي مأزوماً، لا يُستَبعَد لجوء واشنطن الى دفعة جديدة من العقوبات. لاعتقاده انّ الدفعة الاخيرة من العقوبات “هي التي ادّت الى انطلاق مفاوضات ترسيم الحدود واعادة فتح الملف الحكومي الذي تأزّم وكاد يُقفل، على اثر فشل الدكتور مصطفى اديب في تأليف الحكومة واعتذاره عن التكليف”. ولذلك، يضيف هذا الديبلوماسي، قرّر الفرنسيون والاميركيون هذه المرة الدفع في الملف الحكومي اللبناني “للحؤول دون وصول لبنان الى الانهيار الشامل، لأنّ مصلحتهم الاستراتيجية هي أن لا يسقط هذا البلد، ولهذا السبب يقف الاميركيون بقوة خلف المبادرة الفرنسية”.
وفي معرض التعليق على ما يتردّد من انّ الموقف السعودي من ترشيح الحريري، هو كما الذي كان يوم دخوله “التسوية الرئاسية” الشهيرة مع عون عام 2016، وهو أنّهم لن يعارضوا ولن يؤيّدوا، وانّ على الحريري ان يتحمّل وحده مسؤولية خياره، يقول هذا الديبلوماسي، انّ “السعودية هي حليف استراتيجي للولايات المتحدة الاميركية في المنطقة، ولا يُعقل ان يتصرف الاميركيون في الاستحقاق الحكومي اللبناني ودعم المبادرة الفرنسية من دون ان يتكلموا معها”.
وفي رأي هذا الديبلوماسي، “انّ من يعارضون تكليف الحريري يمكن ان يستمروا في عرقلة التأليف حتى اللحظة الاخيرة، مثلما حصل الاسبوع الماضي، لكن هذه المرة قد لا يكون في مقدورهم العرقلة والدفع الى تأجيل جديد، وانما سيعرقلون لاحقاً في عملية التأليف، في اعتبار انّهم يعارضون طرح حكومة اختصاصيين برئاسة الحريري، لأنّه في رأيهم حزبي، ويجيز لنفسه ان يكون على رأس حكومة يستبعد القوى السياسية منها. فسابقاً خاض رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل عراكاً سياسياً مع الحريري، عندما حاول استبعاده عن التوزير في حكومته، وأطلق في وجهه مقولته الشهيرة: “إما نكون في الحكومة معاً أو نخرج معاً”. ويبدو انّ هذا الطرح يتجدّد اليوم، وهو يرمي الى تشكيل حكومة تكنوسياسية، يجد “التيار” وحلفاؤه أنّها الحل “لأنّ حكومة الاختصاصيين غير السياسية او الخالية من مشاركة السياسيين فيها مباشرة او مداورة، لا تليق بالتطورات الجارية محلياً وعلى مستوى المنطقة التي تفرض على لبنان ان يكون قادراً على مواجهة تداعياتها والتفاعلات”.
لكن هذا الديبلوماسي يخلص الى التأكيد، انّه “بات من الصعب عرقلة التكليف”، ويقول: “إذا كان البعض يعتقد انّ الضغط الاميركي سيخف خلال الاسبوعين المقبلين بسبب الانتخابات الاميركية، فإنّ هذا الاعتقاد في غير محله، لأنّ الاميركيين الذين أوكلوا الشأن اللبناني الى الفرنسيين، انما يساندونهم من الخلف”.
ولكن المتشائمين يرون، انّ التكليف والتأليف سيؤجّلان الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية، وانّ ما يجري من خلافات ومماحكات حولهما الآن، لا يعدو كونه عملية تقطيع للوقت، في انتظار ذلك الاستحقاق الرئاسي الاميركي.
في حين انّ فريقاً من السياسيين يرى انّ الفشل في الاستحقاق الحكومي هذه المرة، تكليفاً وتأليفاً، سيدفع المعنيين بهذا الاستحقاق في الداخل والخارج الى فتح الباب امام خيارات جديدة، بحيث يتمّ اختيار مرشحين لرئاسة الحكومة من بين اعضاء المجلس النيابي، لهم حيثياتهم وتمثيلهم السياسي والشعبي، وليس من نادي رؤساء الحكومات السابقين، الذي لم ينجح في ادارة هذا الاستحقاق.