ربّما يحتلّ لبنان المركز الأول عالمياً في لوائح إتهام مسؤولين فيه بجرائم تستوجب مساءلتهم قانونياً، ليس بالإدانات الشعبية والملفات المفضوحة إعلامياً فحسب، ولكن بالأدلة والمستندات والاستدعاءات. ولولا الحصانات والحمايات والتدخّلات التي تغلّ يد القضاء، لكان مكانهم في السجن، وليس في القصور والدور والسرايات.
رئيس “التيار الوطني الحر” والنائب في البرلمان وصهر العهد ووزير الخارجية السابق جبران باسيل مشمول بعقوبات لجنة “ماغنسكي” الأميركية بتهم الفساد، إلا أن ذلك لم يدفع أي جهة رسمية في لبنان إلى مساءلته عن هذه التهم التي يفترض أنها ارتكبت بحق الشعب اللبناني.
رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب متّهم في جريمة تفجير مرفأ بيروت، فقد كان عليه أن يتصرّف لدى معرفته بوجود نيترات الأمونيوم، لكنه لم يفعل بناء على توجيه هو أشبه بأمر المهمّة بأن ينكفئ ويلتزم حدوده التي تنتهي عندما تبدأ حدود الدولة الرديفة. وقبله رئيس الجمهورية ميشال عون الذي كان يعلم.
أيضاً، وبمعزل عن الألقاب، ينضمّ إلى اللائحة علي حسن خليل وغازي زعيتر ويوسف فنيانوس ونهاد المشنوق وعباس إبراهيم وطوني صليبا وجان قهوجي وكميل ضاهر وغسان غرز الدين وجودت عويدات… وبدري ضاهر… و… واللائحة تطول.
ومع هذا، يستمرّ أصحاب الدولة والمعالي والسعادة والسيادة من المُدانين والمطلوبين للعدالة بمواصلة حياتهم السياسية كالعادة.
وبالطبع يستخفّون ويعترضون ويتجاهلون أنهم متّهمون بالخروج عن القانون. لكنهم يعرفون يقيناً أنهم سكتوا وتجاهلوا بفعل فاعل يدير البلد ويديرهم ويحميهم ويحفظ لهم استمراريتهم مقابل هذا السكوت وغيره.
وعدا فظاعة جريمة تفجير مرفأ بيروت، لا بدّ أن نبش ملفات متعلقة بالفساد والارتكابات، ستضيف غالبية من تبوأ منصباً عاماً الى قائمة طفّار المنظومة. وهم لا يحتاجون إلى الهروب والتواري عن الأنظار في الجرود أو يعبرون الحدود الى سوريا، التي أصبحت الملاذ الآمن لمطلوبين وقتلة وتجار مخدرات بعد تشابك المصالح بين النظام الأسدي والمحور الإيراني.
والأخطر أنهم يشجّعون صغار المرتكبين على تكثيف نشاطاتهم المشبوهة وتحدّي ما تبقّى من فعالية للأمن والقضاء، ليصبح البلد كله من رأس هرمه إلى قاعدته مأوى لطفّار تختلف تبعات ذنوبهم بإختلاف مكانتهم في تركيبة الهرم.
ولا عجب، فالمسألة منطقية تسلسلية. إذ أن الحاكم بأمر المحور لا علاقة له بالقانون والدستور ومؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والأمنية والاقتصادية إلا بقدر ما يحتاج إلى إستخدامها لتنفيذ ما يلزم من أجندة المصالح. فهو يتبع ولاية فقيهه، يؤمّن له موارده ويوكل إليه وظائفه، ويملك جيشه الخاص واقتصاده الخاص وقضاءه الخاص ومدارسه ومستشفياته… وهلّم جرّا.
لذا يبقى قاتل الضابط سامر حنا مجهولاً وفاراً من القانون. كذلك من حاول قتل النائب السابق بطرس حرب. وتبقى مؤسسة القرض الحسن خارج القوانين المرعية للمؤسسات المالية اللبنانية… والأهم، تبقى المنظومة التي دجّنها على حالها وممنوع الإنقلاب عليها وإزاحتها، حتى قبل جريمة التفجير، لأنها كما مؤسسات الحاكم بأمر المحور، تؤدي دورها ليتابع بدوره وظيفته.
في المقابل، لا يجد اللبنانيون الجائعون إلى الأمان والإستقرار من أصحاب الكفاءات إلا الهجرة سبيلاً وحيداً للخروج من الجحيم الذي يتحكّم به طفّار المنظومة ومرتزقتها ومن يحميهم.