«توصية الجمهوريين» أُعدت في زمن حكومة الحريري… وعودته لا تغيّر من رؤية واشنطن
انتهى الأمر، وما بقي أمام اللبنانيين إلا أن يعدّوا الأيام والأسابيع والأشهر الفاصلة عن استحقاق الانتخابات الرئاسية الأميركية في تشرين الثاني المقبل، كحد أقصى لتبلور صورة الرئيس الذي سيدخل إلى «البيت الأبيض»، ما دامت الساحة اللبنانية هي إحدى ساحات المواجهة بين واشنطن وطهران وذراعها الرئيسي المتمثل بـ«حزب الله»، والمفتوحة على كل المفاجآت.
يقرأ «حزب الله» جيداً معنى أن تُرفع في الساحات يافطات تطالب بتطبيق القرار الدولي 1559 وبنزع سلاحه وتحميل هذا السلاح مسؤولية ما وصل إليه لبنان من أزمات سياسية واقتصادية ومالية، ومن حصار بات يضيّق الخناق على كل اللبنانيين. عودة مثل هذه الأصوات لا يتحمّلها «الحزب»، الذي يعتبر أنه نجح في إخضاع جميع القوى السياسية ترغيباً أو ترهيباً، بما مكّنه من توسيع نفوذه في مؤسسات الدولة والإمساك بقرارها ورقة في يد إيران، وتأمين ظهره كي يتفرّغ إلى لعب دوره الإقليمي في ساحات المنطقة.
بالتكافل والتضامن، قادت عناصر «حزب الله» و«حركة أمل» غزوة حزيران المذهبية، غزوة مصغرة عن غزوة أيار 2008، علها تفعل فعلها في تأديب من سوَّلته نفسه على رفع الصوت. تسابقت القوى السياسية التي كانت منضوية سابقاً تحت راية «14 آذار» على تبرئة ساحتها من مسؤولية هذا «الفعل السيادي» المحرَّم، الذي حمل لواءه بعض من المجموعات الشبابية الى تظاهرة 6/6 وسط بيروت. أيقظ جمهور «الثنائي الشيعي» سريعاً ذاكرة الحرب الأهلية وخطوط التماس ومحاورها من الشياح – عين الرمانة إلى بشارة الخوري والرينغ، إلى المزرعة – بربور.
التصويب على منع المساعدات عن الجيش مقلق ويستوجب تحركاً لحمايته
يكشف توجيه الرسائل في كل الاتجاهات دفعة واحدة عن الخشية التي انتابت «حزب الله»، وقلقه من المكونات الأخرى واستعداده إلى الذهاب بعيداً في اقتتال داخلي إذا تطلب الأمر. نجحت الاتصالات والتي لعب فيها رئيس «التقدمي» وليد جنبلاط دوراً، في لجم التداعيات، وتوالت بيانات الاستنكار، ولكن ماذا عن الغد؟
فالشارع يئن من الضائقة المعيشية وانقطاع الكهرباء وفقدان مادة المازوت وبدء تبخر الدواء، ومن انسداد أفق المعالجات ومن عجز الحكومة وأخبار المحصاصة بين رعاتها. يئن من انهيار الليرة والأنباء المقلقة التي تتوالى عن أموال المودعين، والمخاوف من أزمة آتية ستطال المواد الغذائية الأساسية. كل ذلك يحمل في طياته بزور الانفجار الاجتماعي المفتوح على انفلاش الفوضى، فكيف إذا أضيفت إليه عناوين سياسية ظنَّ «حزب الله» أنه نجح في إخمادها؟
يحصل ذلك، فيما قانون «قيصر» يدخل مرحلة التنفيذ ويضع الحكومة والشركات ورجال الأعمال والأفراد الذين يتعاملون مع النظام السوري تحت مقصلة العقوبات الأميركية، وفيما يتحضر الجمهوريون لتقديم قانون عقوبات جديد في الكونغرس ضد إيران والمرتبطين بها. وهم نشروا توصية تحت عنوان «الاستراتيجية الأمنية الوطنية لتقوية أميركا ومواجهة التهديدات العالمية» تشكل جزءاً من مشروع قانون العقوبات. واللافت في التوصية أن جزءاً من الاقتراحات حول كيانات يمكن أن تشملها العقوبات بات واقعاً، فيما لا تزال التوصية مسودة.الفصل المتعلق بلبنان يدل على أن المسودة جرى إعدادها قبل أشهر عدة، قبل استقالة حكومة سعد الحريري، ذلك أنها تقترح تشريعات جديدة ضد «حزب الله» تسد الثغر التي يمكن أن ينفذ منها، بحيث يمكن إدراج نواب الحزب الحاليين والمستقبليين، ووزراء يقدّمون أنفسهم على أنهم مستقلون لكنهم داعمون لـ«الحزب» كالوزير جميل جبق الذي تصفه التوصية بـ«وزير الصحة الحالي». وتسمي في هذه الخانة وزير الخارجية السابق فوزي صلوخ وكذلك النائب جميل السيّد.
ويؤشر اقتراح إدراج حلفاء «الحزب» على لائحة العقوبات، وتحديداً جبران باسيل الذي تصفه بوزير الخارجية ورئيس مجلس النواب نبيه بري، إلى النية برفع الضغوط إلى مداها الأقصى. وثمة إشارة إلى أن التشريع الجديد يمكن أن يتطلب من الرئيس فحص ما إذا كان هذان الشخصان (باسيل وبري) وغيرهما من حلفاء «حزب الله» داخل قوى 8 آذار – ولا سيما «التيار الوطني الحر» وحركة «أمل» يطابقون مواصفات العقوبات وفق قانون حظر التمويل الدولي لـ«حزب الله» الصادر عام 2015 وتعديلاته عام 2018 وقانون «قيصر» 2019.
أهمية نشر التوصية أنها لا تدع مجالاً للتأويل والشك حول سقف الضغوط العالي الذي يمكن أن تلجأ إليه الإدارة الأميركية في الأشهر المقبلة. صحيح أنها لا تزال مسودة وأن طريقها إلى الإقرار من ضمن مشروع قانون جديد في مجلس النواب قد يحتاج وقتاً وقد يتعثر، نظراً إلى أن الديمقراطيين هم المسيطرون عليه، لكن ناشطين في لوبي جمهوري يعتبرون أن هناك آليات قانونية عدة متوفرة يمكن للإدارة اعتمادها دون انتظار القانون الجديد.
فالتوصية أشارت، على سبيل المثال، إلى إدراج مؤسسة «أطلس هولدينغ» المملوكة جزئياً من «مؤسسة الشهيد» والشركات التابعة لها، كـ«الأمانة» للمحروقات وهي شركة متخصصة في مجال تجارة وبيع المحروقات، و«أمانة بلاس»، وصيدلية «شاهد»، و«ميديك» المتخصصة في بيع المواد والمستحضرات الطبية. وهذه الشركات قد أدرجتها وزارة الخزانة في شهر شباط الماضي. ولا شيء يحول دون إقرار عقوبات على الشخصيات السياسية المذكورة وفق آليات القوانين الموجودة أصلاً.
وإذا كان التوجّه لتمرير تشريع يحظر على صندوق النقد الدولي تمويل خطة إنقاذ لبنان من أموال المكلفين الأميركيين، في زمن حكومة الحريري، الذي يُنظر إليه على أنه حليف للغرب، فإن توقع حصول ذلك مع حكومة حسان دياب التي تُعتبر حكومة «حزب الله» أصبح ضرباً من ضروب الخيال، حتى أنه يحمل دلالات واضحة من أن أي محاولة لإعادة الحريري إلى سدة الحكم من أجل تخفيف الضغط عن البلاد لن تجدي نفعاً في حال حصولها. فالمواجهة ماضية بقوة، وعلى مختلف المستويات.
لكن المقلق بالنسبة إلى المراقبين، التصويب القوي على المساعدات الخاصة بالجيش اللبناني ما سيؤول إلى ممارسة ضغوط جديدة على المؤسسة العسكرية في هذه الظروف الدقيقة، الأمر الذي بات يستدعي معه البحث عن سبل حماية المؤسسة التي لا يزال ممكناً التعويل عليها في منع انهيار لبنان الكلي!.