لم تنجح سياسة العقوبات الاقتصادية في تغيير سياسات البلدان المستهدفة بها. هي نجحت في إفقار شعوب تلك الدول ومنعتها من الحصول على الكميات الضرورية من الأدوية والأغذية، ومنعتها من الولوج إلى التكنولوجيا الحديثة واستخداماتها، وأثرت سلبا في اقتصادات دول أخرى، بمن فيها الدول أو الدولة صاحبة القرار بفرض الحصار.
ولدت هذه السياسة كبديل من الحرب، على رغم أنها قد تقود إليها، وبدأتها أوروبا والغرب عموماً ضد الاتحاد السوفياتي بعد الثورة ضد القيصر، لكنها لم تفلح في تغيير موقف البلاشفة وبدأت القيود تنهار تدريجياً لتستعاد علاقات شبه طبيعية بين الشرق السوفياتي والغرب «الأمبريالي»، إلا إن الشرق والغرب آنذاك «تسامحا» مع الفاشية والنازية الصاعدة في أوروبا، فلم يفكرا بعقوبات أو بمحاصرة الوحش المقبل فكانت الحرب العالمية المدمرة وتوسع المعسكر السوفياتي وارتفاع حدة الانقسام في السياسة العالمية.
عادت سياسة الحصار مع إطلاق نظرية الستار الحديدي في وصف «انغلاق» المعسكر السوفياتي وتمهيداً لخنقه. هذه المرة أيضاً لم ينجح الإغلاق وأدى سباق التسلح وانهيار نظام المستعمرات إلى ما سمي في ما بعد نظام «التعايش السلمي» الذي تكرس في سلسلة اتفاقات على مستوى القمة بين موسكو وواشنطن.
بقيت كوبا تحت الحصار الأميركي أطول فترة في التاريخ المعاصر. فمنذ 1961 قررت واشنطن خنق النظام اليساري في الجزيرة المجاورة. لم يكن لدى الأميركيين المبررات القوية التي تملكها اليوم ضد إيران، ولم يكن الكوبيون في وضع يخوّلهم استخدام أذرعتهم في إزعاج أميركا كما تفعل إيران، ومع ذلك صمدت كوبا ونظامها: لا تزال الجزيرة الكاستروية قائمة بنظامها ولا تزال العقوبات قائمة وإن خففها أوباما قليلاً.
اليوم قررت أميركا معاقبة إيران، ولديها في تبرير ذلك سلسلة طويلة من الأسباب لم تكن شروط بومبيو الـ12 إلا تلخيصاً لها. سترد إيران مستخدمة كل تجربتها السابقة في السياسة وربما في الأمن (خطف الرهائن في بيروت الثمانينات) أو في التهديد بحرب جديدة بالوكالة ضد إسرائيل… ومن شأن ذلك أن يجعل العقوبات بداية لحرب وليست بديلاً منها، إلا إذا كان الوضع الإيراني الداخلي ناضجاً لإحداث تحول كبير يوفر عناء العقوبات ومآسي الحروب.