Site icon IMLebanon

العقوبات على «جمال ترست بنك» ردّ أميركي على الغطاء الرسمي لحزب الله

 

وجّهت العقوبات الأميركية على جمّال تراست بنك، ضربة قوية للاقتصاد اللبناني، وهي أصابت العمود الفقري للاقتصاد الوطني، وأدت إلى هزّ القطاع المصرفي برمته، خصوصاً وأن إدراج المصرف المذكور على لائحة العقوبات الأميركية (أوفاك) لم يستند الى أي تحقيق أو دليل يثبت علاقته بتحويلات خاصة بـ «حزب الله»، بقدر ما أصابت المودعين الأبرياء أو المقترضين على حدّ سواء، وكشف مصدر مصرفي أن هذه العقوبات «مؤشر خطير على سلوك واشنطن هذا المنحى، مع تفاقم المخاوف من ان تكون أول الغيث لمعاقبة مصارف أخرى، وقد بدأت تأثيراتها السلبية منذ الساعة الأولى، حيث ولّدت هلعاً لدى المودعين الذين بدأوا اتصالاتهم ومراجعاتهم لضمان استعادة أموالهم، والخشية من أن يلقى مصير البنك اللبناني الكندي الذي أقفل قبل سنوات نتيجة اتهامات أميركية، لم تسمح للقضاء اللبناني بالتحقق من صحتها».

 

هذا التطوّر غير المتوقّع فاجأ الأوساط السياسية قبل الاقتصادية، حيث أفادت مصادر مقرّبة من بيت الوسط، أن الرئيس سعد الحريري «لم يتلقّ خلال زيارته الأخيرة لواشنطن أي إشارة عن عقوبات على المصرف اللبناني»، مشيرة الى أن رئيس الحكومة «عبّر عن قلقه أمام وزير الخارجية مايك بومبيو وأمام المسؤولين الأميركيين الذين التقاهم، عن خشيته من أن تؤثر العقوبات المحتملة على سياسيين قريبين من «حزب الله» على الاقتصاد اللبناني والمصارف، وأنه سمع كلاماً مطمئناً من بومبيو عن حرص بلاده على حماية القطاع المصرفي من أي انتكاسة». وأكدت أن الحريري «سيجري اتصالات مع الإدارة الأميركية لجسّ النبض حيال مدى العقوبات على المصرف المذكور وتأثيراتها، والمدى الذي تبلغه وما إذا كانت تصل الى حدّ إقفاله». وإذ استبعدت أن «تفلح المساعي بتغيير شيء في هذه العقوبات»، شددت على «أهمية تخفيف الخسائر، وأن لا يؤدي ذلك الى فتح الباب على عقوبات مماثلة تطال مؤسسات مالية أخرى».

 

وفرض هذا الاجراء على المسؤولين اللبنانيين نمطاً مختلفاً من التعاطي مع الجانب الأميركي، يقوم على عدم أخذ التطمينات الأميركية على محمل الجدّ، بل التعامل معها بحذر، وتوقعت مصادر سياسية أن «تحمل الأيام المقبلة مفاجآت، ربما تتمثّل بالافراج عن العقوبات التي تستهدف شخصيات ســياسية مسيحية وأخرى شيعية من حلفاء الحزب، خصوصاً بعد الاجماع السياسي والوحدة الوطنية الداخلية التي تجلّت غداة العدوان الاسرائيلي على الضاحية الجنوبية، وهو ما أزعج الأميركيين الى حدّ كبير». ورأت أنه «لو كان اتصال الحريري وبومبيو حصل بعد اجتماع الحكومة وبيان مجلس الدفاع الأعلى لكانت اللهجة الأميركية مختلفة وأكثر تشدداً من أي وقت مضى».

 

وفسّرت المصادر السياسية القرار الأميركي على أنه «مقدمة لمرحلة جديدة من التصعيد، ومحاولة لليّ ذراع الدولة اللبنانية، التي تبنّت بالإجماع خيار الردّ على العدوان الإسرائيلي سواء جاء هذا الردّ من الجيش أو المقاومة، وسواء كان دفعة واحدة أو على مراحل، خصوصاً وأن الموقف الرسمي اللبناني لم يأخذ بالتحذيرات الأميركية والغربية حيال توفير غطاء الشرعية اللبنانية للحزب، ولذلك هم تعمّدوا (الأميركيون) أن يبرروا فرض عقوبات على المصرف اللبناني بذريعة التضييق على «حزب الله»، وتسويق أكاذيب «تسهيل الأنشطة المالية لهذا الحزب، وتحويل الأموال لأسر شهداء المقاومة «، واضعة هذه المزاعم في سياق «منع الحزب من الوصول الى النظام المالي الدولي، وهذا الاجراء بمثابة تحذير لكل من يقدّم الخدمات المالية للحزب في لبنان».

 

ولا يختلف اثنان على أن وضع «جمّال ترست بنك» الذي يعدّ الشريان لتحويلات المتمولين الشيعة من الخارج، وتحديداً من أفريقيا الى لبنان، على لائحة العقوبات، بات أبعد من تضييق الخناق الاقتصادي على «حزب الله»، بل يعطي مؤشراً على بدء سريان العقوبات على حلفاء الحزب، خصوصاً وأن صاحب هذا المصرف مقرّب سياسياً من رئيس مجلس النواب نبيه برّي». وشددت المصادر نفسها، على أن بيان وزارة الخزانة الأميركية «بيان سياسي أكثر مما هو بيان تقني مالي اقتصادي»، مؤكدة أن هذه العقوبات مرتبطة بالتصعيد بين لبنان وإسرائيل، وتكفي مسارعة رئيس حكومة العدو الاسرائيلي بنيامين نتنياهو الى تهنئة واشنطن على هذا القرار لتبيان ذلك.

 

وفيما يتخوّف المراقبون أن تكون هذه العقوبات مقدّمة لاستهداف مصارف أخرى، قلل مصدر مطلع على أجواء حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من هذه المعلومات ورأى أن «لا داعي للقلق على مصارف أخرى، كما أن لا خوف على أموال المودعين في «جمال ترست بنك»، ولا داعي للهلع والمسارعة الى سحب الأموال، لأن ودائع الناس مؤمنة». وجزم المصدر بأن حاكم المركزي قادر على اعتماد سياسة مالية تجنّب القطاع المصرفي التصدّع أو السقوط، والتدابير التي سيلجأ اليها ستكون قيد البحث في الاجتماع الاقتصادي المالي في قصر بعبدا يوم الاثنين المقبل».