يبدو أنّ هدف الإدارة الأميركية ممارسة أقصى الضغوط على النظام الإيراني لإجباره على التفكير مرة أخرى وتغيير ما يعتبره الأميركيون سلوكاً خبيثاً في المنطقة.
السؤال الذي يفرض نفسه ما الذي يجري بالضبط بالنسبة الى الإجراءات المتّخذة، وما أثرها المحتمل، وما هي الإستراتيجية الأميركية الحقيقية وراء هذه العقوبات؟ وما مدى تأثير فرض الجزاءات على المئات من الأسماء والكيانات والأفراد وكذلك على الاقتصاد العالمي؟
يبدو حسب جون بولتون مستشار الامن القومي «أننا نريد تحقيق اقصى ضغط على ايران لكننا لا نريد إلحاق الاذى بأصدقائنا وحلفائنا».
وللعلم فإنّ صادرات إيران النفطية انخفضت بشكل ملحوظ (اكثر من الثلث) في الفترات الاخيرة في الوقت الذي يبدو أنّ العديد من عملاء إيران في شراء النفط استفادوا من إعفاءات الولايات المتحدة للقيام بذلك مع وعد بتخفيف استيرادها من النفط الايراني، وهذا المنطق يساعد حلفاء الولايات المتحدة مثل تايوان وكوريا الجنوبية واليابان في تخطّي مشكلات الطاقة دون المساس بجوهر الاتّجاه العام للسياسة الاميركية. وللعلم حصلت الهند على هكذا إعفاءات وخفضت الصين وارداتها بموجب ترتيب مختلف قليلاً.
هنا لا بد من القول إنّ هذه التخفيضات تقلق من ناحية اخرى استقرار سوق النفط الدولية. وقد وعد السعوديون بضخّ المزيد من النفط لتعويض التخفيضات في النفط الايراني. وقد يكون من أهداف ترامب شأن آخر، يعني فيما يعنيه أن يعيد إيران الى طاولة المفاوضات من اجل الحصول على صفقة أفضل وأكثر شمولاً.
ويذهب البعض الآخر في تحليله الى القول إنّ ترامب يرى في اعادة الجزاءات مناسبة جيدة لتغيير النظام في إيران. ولحظ بعضهم انّ ترامب لديه خطة واحدة ولا يعرفون استخدام غيرها لكنهم يفتقرون الى أيِّ مظهر من استراتيجية اوسع.
لكن يبدو انّ الولايات المتحدة أحرقت مصداقيّتها في التزام الوعود. لذلك قد تكون في المستقبل القريب هناك حالة من الفوضى في ظلّ مثابرة اميركا على نهجها الحالي في عزل إيران، ولكن بدون تأييد دولي واسع النطاق أضف الى ذلك أن ليس من الواضح ما إذا كان الأوروبيون معهم وروسيا والصين قد يستطيعون تطوير نظم الدفع الدولية البديلة وتجنّب النظام المالي الأميركي وقد تكون المقايضة احدى هذه الوسائل التي تمكنهم من شراء النفط الإيراني دون استعمال الدولار.
لذلك قد تكون الصورة قاتمة لغاية الآن والأهم إذا كان الايرانيون سيضطرون مجبرين للجلوس الى مائدة مفاوضات ثانية وأن يتخلّوا عن دورهم في سوريا واليمن ومع «حزب الله» في لبنانـ علما أنهم ولغاية الآن متمسّكون بالصفقة التي تفاوضوا عليها مع وزير الخارجية السابق جون كيري في فيينا في عام 2015.
وحسب دنيس روس المسؤول الاميركي السابق «إنّ زيادة الضغوط على إيران لن تغيّر بسلوك النظام في وقت قريب، لذلك وإذا كان الهدف الاساسي هو تغيير النظام في طهران فإنّ الامر يبدو دقيقاً جداً.
هكذا نرى أنّ على قائمة العقوبات أكثر من 700 شخص او كيان او سفن وطائرات ناهيك عن المصارف الكبرى. وقال وزير الخارجية الاميركي انّ أكثر من 100 شركة عالمية انسحبت من إيران بسبب العقوبات التي تلوح في الافق هذا علماً أنّ مصدر التمويل الأساسي لإيران هو النفط وهو الى تراجع.
مع العلم انّ كلام روس هو أقرب الى الواقع وسلوك إيران قد لا يتغيّر في الوقت القريب ودعمها للحوثيين او لـ«حزب الله» هو استراتيجي ومهم. أما إذا كان الهدف تغيير النظام فإنّ إعادة العقوبات أثارت موجات غضب في الشارع الإيراني، علماً انّ المناهضين للحكم كانوا نشطاء في الفترات الاخيرة.
وفي ما يختص بلبنان فقد فرضت الجزاءات على «حزب الله» وتجدّدت عندما وقّع ترامب في الشهر الماضي جملة عقوبات استهدفت جماعات تموّلها ايران لا سيما «حزب الله» الذي وحسب اميركا يُعتبر منظمة ارهابية ومنع التمويل عنه وتشديد العقوبات الهدف منهما وحسبهم دائماً هو إفشال وتفكيك حزب ساهمت إيران في تأسيسه وهي الراعي الرئيسي له اليوم.
هذا الامر يساعد الى حدّ بعيد في إرباك «حزب الله» ودوره في المنطقة كما انّ ذلك يزيد الضغط على المصارف اللبنانية التي تتعامل مع الحزب الأمر الذي يعيد خلط الاوراق أقله لبنانياً- وقد انعكس ذلك جدّياً على تأليف الحكومة والتي ما أن وصلت الى مخاضها الاخير حتى خلقت العقدة السنّية، وقد يرى الحزب في ذلك دعماً لمجموعة باتت تشكل في الاقتصاد ما يُسمى Double Counting، وقد تكون حكومة تصريف اعمال في هذه المرحلة بالذات أهم للحزب ومجموعته من حكومة شرعية يمكنها أن تلتئم وتتّخذ القرارات.
ويرى بعض المراقبين انّ العقوبات على «حزب الله» تستهدف لبنان كله وأنه سوف يتأثر جدّياً بالعقوبات هذه ويُحرج الدولة اللبنانية، علماً انّ هكذا عقوبات يمكن تفاديها من قبل المصارف إنما قد تطال اشخاصاً ومجموعات تتعاطى بشكل أو بآخر مع الحزب.
أما سياسياً فقد تكون عرقلة الحكومه وفرملة مسارها من الإشارات الى هذه العقوبات. وإذا أمعنّا جيداً بديناميكية التشكيل نرى انّ العقدة السنّية لم تُستحدث الّا اخيراً وفي الوقت نفسه حين بدأت العقوبات تنفَّذ على إيران والحزب.
تبقى الأمور الأكثر غرابة في الموضوع ككل هو قدرة الولايات المتحدة الأميركية على فرض العقوبات ومنح الاستثناءات ومنع شراء النفط الإيراني والتحكّم بأسعار النفط العالمية، وديناميكيّتها. علماً انّ السعودية قد لا تريد في الوقت الحاضر زيادة اسعارها، لكن لدى اميركا الوسائل الكافية لإقناعها.
هذه هي الوضعية الحالية لأسواق النفط غير المستقرة، وقد ترتفع الاسعار ليصل سعر البرميل الى مئة دولار اميركي لا سيما وانّ إيران من أكبر الدول المصدّرة. كذلك هناك سؤال يُطرح حول مدى انعكاس ذلك على الوضعية اللبنانية؟…