البلاد في هدنة.
وهذه نعمةٌ طالما افتقدناها حتى باتت مطلباً في هذه المرحلة الصعبة التي يجتازها لبنان والإقليم… والتي تهيمن عليها (في لبنان) العقوبات الأميركية التي يبقى سيفها مصلتاً فوق الرؤوس، والتي فُهم من كلام الرئيس سعد الحريري إثرَ لقائه وزير الخارجية الأميركي أنها قرار متخذ في الإدارة الأميركية وأنه من العبث محاولة ثنيها عنها..
وبالذات لأنها تلقى دعماً في الكونغرس.
ولا نقول جديداً إذا ادّعينا أن هذه العقوبات سيكون لها تداعيات كبيرة إذا طاولت «حلفاء» حزب الله. وكما قلنا في عجالة سابقة فإنّ للحزب حلفاء عديدين في لبنان إلاّ أنّ العقوبات المزمع فرضها على الحلفاء تستهدف التيار الوطني الحر في الدرجة الأولى. والولايات المتحدة الأميركية لا تكنّ مودة للرئيس ميشال عون. وهذا موقف أميركي يبدو ثابتاً وإن تغيرت الإدارة الأميركية أشخاصاً وأحزاباً، وإنّ تناوب على البيت الأبيض رؤساء سيّان أكانوا جمهوريين أم ديموقراطيين.
وللتذكير فإنّ واشنطن وقفت، بقوّة، ضد الجنرال ميشال عون منذ أن دخل قصر بعبدا رئيساً للحكومة في آخر عهد الرئيس أمين الجميل إلى أن عاد إليه رئيساً للجمهورية قبل نحو ثلاث سنوات.
وفي الوقائع يُذكر أنه عندما تألفت اللجنة العربية للبحث عن حل في أزمة لبنان، أواخر الثمانينات، وكانت برئاسة وزير الخارجية السعودية، آنذاك، المرحوم الأمير فيصل بن عبد العزيز، التأمت تلك اللجنة وصدر عنها بيان تضمن تلميحاً الى مسؤولية الرئيس السوري الراحل المرحوم حافظ الأسد. وقررت اللجنة القيام بجولة عالميةٍ بدأت في واشنطن حيث كان الموقف الأميركي صارماً ومن نقطتين:
الأولى – أعيدوا النظر في مضمون بيانكم لجهة إزالة أي اشارة سلبية تجاه الرئيس الأسد. والثانية – اعملوا ما يجب في سبيل إزاحة ميشال عون من قصر بعبدا!
ويوم تقرر نفي الجنرال عون إلى فرنسا بعد الهجوم الجوي السوري على قصر بعبدا وتدميره. وخلال إبحار عون إلى مرسيليا مارست واشنطن «نفوذها الالكتروني» على المركب الذي كان يقلّه لدرجة أنه تاه الى حين.
وعندما تحدث الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك مستنكراً الهجوم السوري على قصر بعبدا أبلغت إليه الخارجية الأميركية أنه يجب أن يصمت لأنه يتدخل في شؤون لا تعنيه.
وإذ لوّح الرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران بتحريك البارجة شارل ديغول الى الشواطئ اللبنانية في بادرة دعم (وإن معنوياً) لعون، هدد الأميركي بقصفها بالصواريخ بعيدة المدى (…)
والمسلسل طويل، ولعله يلقي ضوءاً على «العواطف الجياشة» الأميركية تجاه الرئيس عون. ولعلّه يضوّي على خلفية العقوبات المنتظرة.
… والأمل أن تستمر الهدنة!