Site icon IMLebanon

مرملة جبل فقرا: «ميخا» أقوى من القانون

ميخا هو البطل؛ يحفر ميخا الجبال، حفر في جبل فقرا في كفردبيان خمسة قبور: قبر لقرارات الوزير نهاد المشنوق، وقبر لقرارات البلدية، وثلاثة قبور للشمع الأحمر. وحين يطرأ طارئ، يذهب ميخا بنفسه إلى مخفر عيون السيمان ويكتب عنواناً لإفادته «إفادة مخالف» يقول فيها إن الجيش اللبناني وتحديداً فوج المجوقل يقف خلف جرائمه البيئية

لا يتعلق الأمر هذه المرة بشقيقة أحد رؤساء الجمهورية أو شقيق أحد النواب أو أحد أصحاب المنتجعات السياحية الذين يشقون الطرقات إليها ويعبدونها وينيرونها على حساب المكلف اللبناني، حتى النائب السابق فريد هيكل الخازن يشكر ربه لأن الأمر لا يتعلق هذه المرة بأحد المحسوبين عليه.

لا يتعلق الأمر هذه المرة بهذا كله، إنما باستهزاء مواطن واحد بكل القوانين، وبقرار أصدره وزير الداخلية نهاد المشنوق (مرفق المستند) وبتوصية صادرة عن مجلس بلدية كفرذبيان (مرفق المستند).

طانيوس بشارة عقيقي هو صاحب العقارين 5413 و5414 في المنطقة المعروفة باسم جبل فقرا في كفردبيان، لكنه ليس البطل الحقيقي لهذا التقرير؛ البطل هو طوني ميخا عقيقي صاحب آلات الحفر وكميونات النقل والعلاقات مع الزبائن. ولعل بعض الكسروانيين لم يسمعوا بطوني ميخا من قبل، إلا أن غالبية الجبال في أعالي كسروان سمعت به. وفي نهاية الأسبوع الماضي وبداية هذا الاسبوع، كان بإمكان كل زوار المناطق الثلجية سماع قرقعة جرافاته، ولا شك أن كثيرين ممن وقفوا لالتقاط صورهم أمام الجبال المغطاة بالثلج فوجئوا عند التدقيق في الصور بأن هناك رقعة سوداء تتوسط الجبل الأبيض. رقعة سوداء آخذة في الاتساع وتكاد أن تبتلع الجبل كله ما دام لا شيء يؤثر بهمة الجرافات التي تواصل عملها صيفاً وشتاءً وليل نهار. وحتى حين تحاول الطبيعة إنقاذ نفسها بنفسها عبر تراكم الثلوج في الطريق من فقرا إلى المرملة، يجد ميخا طريقاً آخر من بلدة بقعاتة كنعان.

ميخا، دينامو المرامل في هذه المنطقة، حظي بغطاء من شقيقة أحد الرؤساء السابقين. لكنه سرعان ما اختلف معها، كما اختلف مع النائب السابق فريد هيكل الخازن، ورغم أن أشقاءه محسوبون على التيار الوطني الحر، فإن أبواب التيار أوصدت بوجهه، لكن مع هذا كله لم تتراجع أعماله، بل توسعت وباتت كلمته في كسروان أقوى من القوانين.

اعترف ميخا بمخالفة إزالة أتربة وحفر رمول «بناءً على طلب فوج المجوقل لاستعمالها من قبلهم»

ولعل الوزير نهاد المشنوق لم يكن يعلم مع من يتحدث حين أوصى القوى الأمنية بمنع ميخا من العمل. فالأخير يتفاخر اليوم بكسره قرار الوزير. وكان مجلس بلدية كفردبيان السابق قد طلب من المشنوق في 11 نيسان إيقاف أعمال الحفر واستخراج الرمول التي يقوم بها كل من عقيقي وميخا لـ”عدم امتلاكهما الترخيص وإلحاقهما ضرراً كبيراً بالبيئة والعقارات المجاورة”. وذكر الطلب أن الأراضي المجاورة هي أراضٍ زراعية تشكّل مصدر الرزق الوحيد لعدد كبير من أبناء البلدة. وأكد الطلب أن البلدية عجزت عن ردعه وحدها، وتناشد الوزارة التدخل. فما كان من المشنوق إلا أن أرسل إلى المديرية العامة لقوى الأمن الداخلي برقية تطالبها بالإيعاز للقطعة الأمنية المختصة بإجراء الكشف اللازم ليصار إلى وقف الأعمال فوراً في حال التأكد من عدم قانونيتها. لكن تسعة أشهر مرت على برقية المشنوق، تبعها تقدم المزارعين بعدة شكاوى؛ آخرها بتاريخ 19 كانون الثاني وتحمل الرقم 2950037/19-1 من دون أن يرفّ جفنٌ لآمر فصيلة الدرك في المنطقة. ولدى اتصال “الأخبار” أكثر من 10 مرات بالفصيلة للاستيضاح عما يحول دون إنهاء هذه المهزلة، قال أحد العناصر إن الضابط المسؤول في اجتماع، ولدى معاودة “الأخبار” الاتصال بالضابط على هاتفه لم يجب.

الفضيحة الأكبر لا تتعلق بما سبق. فميخا لا يهزأ بالقوانين وقرارات وزارة الداخلية وحسب. محاضر التحقيق معه المكدسة في فصيلة عيون السيمان (مرفق نسخ عنها) تبين أنه بتاريخ 27 كانون الأول 2014 وجدت دورية تابعة لفصيلة عيون السيمان أن عاملاً سورياً أقدم على فض أختام الشمع الأحمر عند مدخل المرملة، رغم أن الشمع الأحمر كان موضوعاً من قبل الفصيلة نفسها بناء على إشارة قضائية. ولدى التحقيق مع العامل، تبين أنه كان ينفذ فقط أوامر طوني ميخا. فطلب النائب العام الاستئنافي الإفراج عن العامل وتنظيم محضر ضبط بحق صاحب المحفار. ولاحقاً، يمكن رؤية جلسات محاكمة ميخا في هذا الملف تتأجل من 23/2/2015 إلى 22/7/2015 فـ 15/12/2015 ثم 20/4/2016 فـ 26/10/2016 لتحدد الجلسة المقبلة في 8 آذار 2017، ولا شك أن تبليغ ميخا سيتعذر مجدداً فيتواصل الاستعراض المهين أعواماً إضافية.

في محضر آخر بتاريخ 11 كانون الأول 2015، داهمت فصيلة عيون السيمان موقع الحفارة لتكتشف أن الشمع الأحمر نُزِع مجدداً، فحجزت كل الموجودات واتصلت بميخا لتطلب منه الحضور، وكانت المفاجأة بحضوره إلى المخفر وقوله حرفياً إنه يقر ويعترف “بما نسب إليّ من مخالفة حفر وتحميل رمول، لكني فعلت ذلك بناءً على طلب فوج المجوقل في الجيش اللبناني، وذلك بهدف نقل الرمول لمبنى المجوقل لإكمال البناء لديهم وحصل ذلك بحضورهم لعدة مرات”. وهنا كان لا بد من أن تُسأل قيادة الجيش ومديرية المخابرات عن الموضوع. مرة جديدة، عُينت ثلاث جلسات محاكمة بناء على ادعاء الحق العام، لكن ميخا لم يحضر والجلسة المقبلة في 15 نيسان.

لكن لا تنتهي الأمور هنا. ففي 28 آذار 2015 تكرر الأمر نفسه مع فصيلة عيون السيمان التي لاحظت أن شمعها الأحمر أهين مرة أخرى، فراسلت المحامي العام البيئي الذي طلب تسطير مذكرة بحث وتحرٍ بحق ميخا لمدة شهر وختم الحفارة مجدداً. وادعى الحق العام، ولم يحضر ميخا جلسات المحاكمة. لكن ومع تكرار الأمر في 6 كانون الأول 2015 حضر ميخا شخصياً هذه المرة ويقول لمن يكتب الإفادة إن عليه وضع عنوان لإفادته هو “إفادة مخالف” ويقول في المحضر المرفق: “إنني أعترف بما نسب إليّ من مخالفة إزالة أتربة وحفر رمول وذلك بناءً على طلب فوج المجوقل في الجيش اللبناني لاستعمالها من قبلهم”. ومن غير الواضح هنا إن كان ميخا يخترع قصة المجوقل هذه لتحقيق مآربه الخاصة. لكنْ في كلامه اتهام خطير لأحد الأفواج الخاصة في الجيش، ولا يجوز السكوت عن اتهام كهذا ورد في محاضر تحقيق رسمية.