IMLebanon

بايا نويل.. يكره الفقراء؟

كنّا في بدايات الحرب اللبنانية، وكان عمر ابني يومها بين السبع او الثماني سنوات، وكنّا انتقلنا من منطقة ساخنة، الى منطقة، اعتقدنا خطأ انها ستكون هادئة، لانها قريبة من وزارة الدفاع، وكان الزمن زمن حلول عيدي الميلاد ورأس السنة، وقرر سكان المبنى ان يجمعوا الاولاد في المدخل الكبير للمبنى ليلعبوا ويلهوا ويفتحوا علب هداياهم، وما هي لحظات، حتى سمعنا طرقاً قوياً على الباب، وفوجئنا بابننا يدخل كالعاصفة وهو يبكي ويصرخ: أنا لا احبّ بابا نويل.. انا اكره بابا نويل، بابا نويل لا يحب الاولاد الفقراء، ولذلك لا يحمل اليهم هدايا. وبالاستفسار عن سبب غضبه، عرفنا انه لاحظ اولاداً من عمره، مهجّرين من بيوتهم الى مبنى قريب منا، يتابعون عن بعد اولاد المبنى وهم يفتحون هداياهم ويلهون بها، ولم تهدأ ثورته حتى ذهب مع والدته الى محل قريب، واشترى كيساً من الالعاب والطيّبات، دفع معظمه من «خرجيته» وذهب وحيداً الى منزل الاولاد المهجّرين وعايدهم وقدّم اليهم الهدايا.

في الايام القليلة الماضية، وانا أتابع مواقف ومبادرات البابا فرنسيس: بابا الفقراء والمعذبين والمعدمين والمرضى، كانت صورة هذا المشهد الانساني المؤثر لطفل في السابعة، لا تفارق ذاكرتي، وكانت النقمة تكبر في داخلي، مع مشاهد البؤس التي تبثها شاشات التلفزة، ليس في لبنان فحسب، بل في العديد من الدول، وخصوصاً في الدول التي تشهد اضطرابات وثورات وحركات عنف طائفي او مذهبي، ومع مظاهر الثراء الفاحش لدى اكثرية المسؤولين وغير المسؤولين من اصحاب الثروات التي جنوها من عرق الفقراء وتعبهم، ويزداد الغضب لرؤية رجال الدين، وبخاصة من هم في مراكز متقدمة في الكنيسة، او عند المسلمين، ينعمون بكل شيء، ولا يساعدون الفقراء والمعوزين الا بصلوات لا يعيرها يسوع أو الرب اهتماماً، لأنها صادرة عن جماعة، او بعضهم، افعالهم غير اقوالهم، ولذلك قال يسوع، اسمعوا اقوالهم ولا تفعلوا افعالهم.

كنيسة اليوم، ليست الكنيسة التي بناها بطرس ولا هي كنيسة القدّيسين الذين استشهدوا وعذّبوا واضطهدوا من اجل اسم يسوع، الذي قال انه اسهل على الجمل ان يدخل من خرم الابرة، من ان يدخل الغني ملكوت السماوات، والذي قال لا تعبدّوا ربّين، الله والمال.

الأم تريزا هي بنت الكنيسة الحقيقية، واليوم البابا فرنسيس، هو ابن الكنيسة، الذي يعيش البساطة والانفتاح والمحبة والتواضع، يزور المرضى، ويتفقد المتعبين، ويفتح قلبه ويده للفقراء والمهمّشين.

فرنسيس فتح باب السماء، ليس امام اصحاب النيّات الحسنة، فحسب، بل حتى امام الحيوانات، لأنهم من مخلوقات الله، لا فضل لمسيحي على غيره، الا اذا كان يتحلّى بالاخلاق الحميدة والصدق والمحبة.

كنت اتابع امس احدى الاذاعات، وهالني هذا الكمّ من الاستغاثات التي يطلقها الفقراء والمرضى والمحتاجون على الهواء، يناشدون مساعدة ولو قليلة، من جميع الطوائف والمذاهب والجنسيات، لا فرق في الجوع والفقر والحاجة بين انسان وانسان.

اين الدولة، اين المؤسسات، أين الكنيسة، أين رجال الدين، أين الاغنياء، اين رجال السياسة، ممن يقدّمون المصالح الشخصية على مصالح الناس، والمصلحة الخارجية على مصلحة الدولة، ويقفلون ابواب الرزق الحلال امام المواطنين، ويفتحون ابواب الفساد والرشوة ونهب المال العام، ويتركون شعب لبنان، يجوع ويذّل ويستجدي العطاء.

متى تبدأ مكنسة الاخلاق والايمان بالله والوطن والشعب، تكنس هذه الطبقة التي اذّلت الناس الذين خلقهم الله كراماً؟

كان ابني الصغير على حق، عندما عرف ان بابا نويل هو صنيعة الاغنياء، وهو يكره الفقراء، مثلما يكرهم رجال الدين والمسؤولون وصغار النفوس من السياسيين.

بابا نويل يكره الفقراء.. لكن يسوع، يحبّهم.