الناس في الشوارع تبحث من 30 يوماً عن إنجاز، تبحث عن خرق، عن بريق أمل، تبحث عن أي شيء يشفي غليل ثورتها وانتفاضتها ضد السلطة الحاكمة…
وفي اليوم الثلاثين، وفي عيد الثورة الأول جاء قالب الحلوى المزيّن بشموع النصر، وجاءت معه الهدية من حيث لم يتوقّع الشارع، نزلت الهدية الثمينة من مدخنة نقابة المحامين، وكأنّ فوز ملحم خلف حوّله بابا نويل يحمل الهدية على ظهره لأطفال موعودين بعد سنين من الحرمان، يحملها إلى عائلات معدومة الأمل من كثرة الانتظار، يحملها إلى شباب وصبايا يتوقّعون هديّة بحجم أحلام مراهقتهم، يحملها إلى زنود نساء وأكتاف رجال مبلّلة بعرق شمس الكفاح السلمي ومطر التظاهر الحضاري، يحملها إلى عجزة يسيرون آخر فشخة أمل الى النهاية.
لعلّ الانتفاضة الشعبية لم تستطع شلّ الطبقة السياسية أو تغييرها إلى الآن، لكنها وجّهت صفعة مدوّية للسلطة وكلّ الأحزاب اللبنانية التي تتقاسم الفساد في ما بينها، صفعة جاءت بكفّ ملحم خلف الذي فاز أمس بمنصب نقيب المحامين في بيروت عن المستقلّين، بعد معركة طاحنة ضدّ الأحزاب التي تحالفت لإسقاط صوت الشعب في نقابة المحامين.
لكن تبيّن بعد فرز الصناديق، أنّ هتافات الناس في الشوارع وصرخاتهم في الساحات وتضحياتهم طوال 30 يوماً كانت أعلى بكثير من زئير الأحزاب المفبرك… فاز ملحم خلف وانطفأت أحلام الأحزاب الحاكمة بكتم صوت ثورة 17 تشرين، فاز ملحم خلف وانهار هيكل الطائفية والمحاصصة على رؤوس الراكعين عند أقدام الزعيم.
ملحم خلف لم يفز بمنصب نقيب المحامين فقط، بل حقّق انتصاراً مدوياً لأنّ الإنجاز الذي حقّقه حصل في عقر دار هيكل الدولة، في بيت المحامين المفروش بحقوق الناس وقضايا البلاد ومستقبل الوطن، الإنجاز تحقّق في المطبخ الذي تتحضّر فيه خلطات الأمن والقضاء والسياسة، ويُطبخ فيه القضاة والمحامون الشرفاء، ويرتوي منه عطش الناس التي فقدت حقوقها وقضاياها في بلد يتغدّى فيه الاستزلام قبل أن يتعشّى المواطن.
نسمع كثيراً عن الفساد في القضاء وارتهان بعض القضاة لأوامر الفاسدين… ولكن اليوم، ومع وصول النقيب المستقلّ ملحم خلف، لا بدّ من الحديث ايضاً عن الفساد بين عدد من المحامين والمحاميات، وإسهامهم بشكل كبير في تأخير العدالة والمماطلة بتحصيل حقوق الناس المخنوقة. بعض هؤلاء المحامين الذين يستغلّون وجع المدعّي و«يَقبّون باط» للمدعى عليه… يرتشون من هنا ويديرون آذانهم الصماء لصرخات المظلومين من هناك، طمعاً في هدية أو سيارة أو ساعة أو دخلاً ثابتاً من المال، طالما هم قادرون على إبقاء قضايا المدعى عليهم في كواليس العدل.
النقيب ملحم خلف أنت حلم تحقّق بأصوات الناس المظلومة معيشياً واقتصادياً وسياسياً منذ أكثر من 40 عاماً… ويُضاف إليهم أيضاً صوت الناس العالقة قضاياها في جوارير بعض القضاة الفاسدين والمحامين المفسدين منذ عشرات السنين.
وإذا كانت الناس قادرة على تكبير حلمها فهو بنزاهتك واستقامتك وتاريخك المشرّف على أكثر من صعيد. فلطالما كنت يا نقيب عنواناً للتلاقي والبناء والتغيير ومدّ الجسور وحماية المقهورين في عملك وفي جمعية «فرح العطاء»، التي تشهد إنجازاتها الإنسانية والعمرانية والتنظيمية على روح هذه الجمعية والقيّمين عليها. والناس التي حقّقت حلمك بصوتها الصادح في بريّة الفساد، كلّها أمل أن تحمل شعلة هذا الصوت في أروقة قصور العدل حتى يصبح أعلى من «شهنقات» الفاسدين.
كلّها أمل أن يصبح موقعك مطرقة على رأس أي قاضٍ فاسد، وأي محامٍ متراخٍ، وأي عنصر أمني جشع… كلّها أمل أن تبقى صرخات «ثورة ثورة» التي تعالت لحظة فوزك أنشودة يُسمع صداها مع كل حكم يصدر لصالح الناس التي ملّت المماطلة بحقوقها الشخصية أو الوطنية.
ملحم خلف، الناس لا تريد منك سوى وعد بإبقاء شجرة ميلاد الحرية في نقابة المحامين مضاءة، حتى تبقى دائماً مستعدّة لتلقّي هدايا العدل من الكيس الذي وضعته على ظهرك.