IMLebanon

مستوطنات جديدة في دائرة النار: العدو أمام معضلة الردع والردّ

 

 

 

دخلت جبهة لبنان مرحلة جديدة في المواجهة على وقع المتغيّرات السياسية والميدانية، من أبرز معالمها توسيع حزب الله نطاق ردوده على استهداف المدنيين، بضمّ مستوطنات جديدة إلى دائرة النار في مسار عملياتي مفتوح على سقوف متعددة. تبلورت هذه المرحلة بفعل السياسة العدوانية التي تؤدي إلى سقوط إصابات في صفوف المدنيين، وهي تشكّل تتويجاً لفشل العدو في فصل جبهة لبنان عن جبهة غزة، وفي تحقيق مطالبه بتجريد لبنان والمقاومة من أحد عناصر قوة الردع والدفاع، والمتمثّل بالوجود المادي والعسكري للمقاومة جنوب الليطاني.وفي الوقت نفسه، دفعت التطورات في غزة نحو محطة مفصلية تكثّفت فيها المساعي والضغوط للاتفاق أو تكريس فشل المساعي بما يؤدي عملياً إلى الانتقال الرسمي إلى المرحلة الثالثة من العدوان على قطاع غزة، بما يعني استمرار العدوان بتكتيكات ووتيرة مغايرة.

في ضوء هذين المسارين (لبنان وغزة)، قرّر قادة العدو نقل مركز الثقل السياسي والميداني باتجاه الحدود اللبنانية، بهدف الفصل بين الجبهات كجزء من خطة الاستفراد بالقطاع في المرحلة المقبلة من دون ضغوط من الجبهات الأخرى، وتمهيداً للانتقال إلى مرحلة جديدة من الضغوط الميدانية لفرض وقائع جديدة تهدف إلى إخراج حزب الله إلى ما وراء نهر الليطاني!

في مواجهة هذا المسار التصاعدي شهد الميدان تطورين رئيسيين، يشكل كل منهما متغيّراً تأسيسياً لمرحلة جديدة من المواجهة والقواعد التي تحكمها. فقد نجح اليمن في استهداف تل أبيب عبر مُسيّرة «يافا» التي مثَّلت بداية المرحلة الخامسة من إسناد اليمن لغزة ومقاومتها، وإسقاطاً لخط الدفاع الأخير لصورة الملجأ الآمن للمستوطنين، فضلاً عن الأبعاد ذات الصلة بالأمن القومي الإسرائيلي.

بالموازاة، أعلن حزب الله معادلة توسيع نطاق الاستهداف للمستوطنات رداً على استهداف المدنيين. وبذلك أصبح العدو أمام مسار عملياتي تصاعدي في مقابل استمرار اعتداءاته. وهو تطور تراكمي مفتوح على سيناريوهات متعددة. وتساهم هذه المعادلة في تعميق مأزق العدو ومفاقمة الضغوط، إذ بدلاً من حل أزمة المستوطنين الذين يطالبون بالعودة الآمنة، يزداد عدد المستوطنات المستهدفة، ما يعني تهجير مزيد من المستوطنين.

وما يُميِّز الرد العملياتي لحزب الله، عبر توسيع نطاق المستوطنات المستهدفة، أنه مفتوح على سقوف متعددة. الأول يتصل بطبيعة هذه المستوطنات وحجمها وموقعها في منظومة الاستيطان وعمقها الجغرافي، إضافة إلى وتيرة وشدة الاستهداف والوسائل المستخدمة في هذا المجال. ومن الواضح أن هذه السقوف ستكون مرتبطة بطبيعة اعتداءات العدو والتطورات التي تشهدها المواجهة القائمة في أكثر من ساحة. وستكون هذه العناوين حاضرة في رسائلها ومفاعيلها على طاولة القرار السياسي والأمني، سواء لدى استشراف مستقبل التطورات أو مفاعيل الخيارات التي قد ينتهجها.

نجحت جبهات الإسناد في تضييق الخيارات أمام العدو ورفع منسوب المخاطر في كل منها

 

من أهم ما تكشفه تطورات الميدان على جبهة لبنان أنها مثَّلت مساراً تصاعدياً كلما طال أمد الاعتداء في غزة ولبنان، وبذلك يجد العدو نفسه أمام وقائع صلبة فرضتها المقاومة، وقواعد مفتوحة على تصعيد الضغوط، تفرض عليه التعامل بجدية تامة مع المواقف الأخيرة التي أطلقها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وتأكيده أن جبهة لبنان لن تُغلق ما دام العدوان مستمراً على قطاع غزة «بأشكاله المختلفة»، في إشارة إلى ما يُطلق عليه العدو المرحلة الثالثة في غزة، وهي مرحلة مفتوحة زمنياً وتُطلق يد العدو في شن اعتداءات يختار توقيتها وأسلوبها وأهدافها وحجمها.

المفهوم نفسه ينسحب أيضاً على ما أعلنه السيد نصرالله بأن مستقبل الوضع في الجنوب سيكون مرتبطاً بنتائج المعركة، إذ يشكل مُحدِّداً حاسماً على طاولة القرار السياسي والأمني في تل أبيب، في استشراف خيارات حزب الله في مواجهة المحاولات الإسرائيلية لفرض وقائع جديدة في جنوب الليطاني.

في الخلاصة، تشهد جبهتا لبنان واليمن سقوفاً جديدة تشكّل مدخلاً إلى مرحلة جديدة مفتوحة على آفاق متعددة. فقد أطلقت مُسيّرة «يافا» ديناميات جديدة من الواضح أنها ستُساهم في تعميق مأزق العدو وتُقوّض ما تبقّى من مناطق يُفترض أنها لا تزال آمنة، وسيفرض ذلك على كيان العدو واقعاً جديداً أكثر خطورة حتى الآن. وسيضع التصعيد المتدرّج في ردود حزب الله على سقوط مدنيين قيادة العدو أمام معادلة واضحة: استمرار الاعتداءات التي تستهدف أو تؤدي إلى إصابة مدنيين، سيؤدي إلى ضم مزيد من المستوطنات إلى نطاق الاستهداف. هكذا يجد العدو نفسه أمام الجبهتين في معضلة، كلما حاول أن يجترح بديلاً يُخرجه منها، بعدما نجحت جبهات الإسناد في تضييق الخيارات أمام العدو ورفع منسوب المخاطر في كل منها، ووضعه أمام معضلة الردع والردّ. فإن ارتدع هُزم، وإن ردّ تتصاعد الردود المضادة، وتُعيده إلى الدائرة نفسها.